المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, 2022

بياضٌ في بياض !

صورة
  بياضٌ في بياض ! بياض في بياض .. لا اخضرار الربيع ولا احمرار الخريف ولا اصفرار الصيف؛ تلك حال البلدان البعيدة ممن ابتلاهم الله بالقرّ كما ابتلى العرب بالحر .. يطلّ الاكتئاب على الناس جنباً إلى جنب مع ثلج الشتاء، فيبسط عليهم ذراعيه فيحتضنهم جميعاً، وتخيم سحابة سوداء على رؤوسهم، فكأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً، وتراهم يمشون متكفئين بأجسادهم المنفوخة بالصوف وأحذيتهم الثقيلة على الأرض والنفس، وليت شعري لو رأى المعرّي أحدهم أسيصيح به (خفف الوطء!) أم سيغير رأيه عن أديم الأرض الأبيض؟ الرؤوس منكّسة، الأجساد تترنح كالبطاريق، يقلع أحدهم قدمه من الأرض قلعاً، لا ابتسامة ولا تحية ولا نظر إلا شزراً، كأن الجميع يلوم الجميع! في الحقيقة .. دائماً ما تذكرني السهول البيضاء ذات السيقان السوداء الفارعة بمنظر مجاهدي الشيشان قديماً، وكيف لم يُثنِهم هذا البرد (الذي تكاد أناملي منه تنطق شاكيةً باكيةً) عن أن يصدوا العدوان الروسي الصليبي بسلاح خفيف ومركوبٍ هزيل، فيكسروا أسطورة روسيا "المرعبة شتاءً"..! لقد أصبح الشتاء عند الروس سلاحاً فتاكاً تهدد به كل من يتجرأ عليها، وسيفاً تشهره وتلوّ...

نهاية الإنسان

صورة
  نهاية الإنسان   من العادات التي التصقت بي مؤخراً إكثار الحديث مع أصدقائي بالهاتف، لا أسير مسيراً ولا أنجز عملاً بين يدي إلا و"السماعة" في أذني، أبادلهم النوادر ويبادلونني، أحكي لهم القصص والخواطر اليومية ويحكون لي .. فكل يوم أو يومين أكون مع أحدهم .. ربما نار الشوق وألم الفراق هما الدافعان لهذه العادة – في الحقيقة؛ بدون "ربما"، بل هما الدافعان الرئيسيان! – فبيني وبينهم آلاف الأميال، و(بلاداً إذا كلّفتها العيس كلّتِ) .. فكنت هذه المرة مع صديقي أحمد الذي باغتني بسؤال مفاجئ شغل تفكيري كثيراً: "أتانا بعد الصلاة مسكين يسأل الناس، ولم يلتفت له ولحاله إلا الفقراء والمساكين أمثاله؛ كعامل النظافة والعمال الحرفيين ذوي الأشغال الشاقة والدخل القليل، أما المقتدرون والمستورون من أمثالنا فلم نعد نشعر تجاههم بأي أسى أو اهتمام، لماذا؟ مالذي أصاب قلوبنا؟" شُدهت من سؤاله وتوقفت لوهلة، فلم أجد إجابة أو رأي لأقوله، فسألته أن يمهلني لأمعن في الأمر، ولم تكن هذه الصدمة لصعوبة السؤال، بل لتشعبه وعمقه .. لقد نزعت الحياة التي نعيشها كل القيم الاجتماعية والتكافلية التي ...