بياضٌ في بياض !
.webp)
بياضٌ في بياض ! بياض في بياض .. لا اخضرار الربيع ولا احمرار الخريف ولا اصفرار الصيف؛ تلك حال البلدان البعيدة ممن ابتلاهم الله بالقرّ كما ابتلى العرب بالحر .. يطلّ الاكتئاب على الناس جنباً إلى جنب مع ثلج الشتاء، فيبسط عليهم ذراعيه فيحتضنهم جميعاً، وتخيم سحابة سوداء على رؤوسهم، فكأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً، وتراهم يمشون متكفئين بأجسادهم المنفوخة بالصوف وأحذيتهم الثقيلة على الأرض والنفس، وليت شعري لو رأى المعرّي أحدهم أسيصيح به (خفف الوطء!) أم سيغير رأيه عن أديم الأرض الأبيض؟ الرؤوس منكّسة، الأجساد تترنح كالبطاريق، يقلع أحدهم قدمه من الأرض قلعاً، لا ابتسامة ولا تحية ولا نظر إلا شزراً، كأن الجميع يلوم الجميع! في الحقيقة .. دائماً ما تذكرني السهول البيضاء ذات السيقان السوداء الفارعة بمنظر مجاهدي الشيشان قديماً، وكيف لم يُثنِهم هذا البرد (الذي تكاد أناملي منه تنطق شاكيةً باكيةً) عن أن يصدوا العدوان الروسي الصليبي بسلاح خفيف ومركوبٍ هزيل، فيكسروا أسطورة روسيا "المرعبة شتاءً"..! لقد أصبح الشتاء عند الروس سلاحاً فتاكاً تهدد به كل من يتجرأ عليها، وسيفاً تشهره وتلوّ...