الإنسان ابن بيئته وزمنه

الإنسان ابن بيئته وزمنه إن الناظر في أخبار العصور الماضية وفي طبائع الناس وأخلاقهم يجدها متسقة مع طبيعة عيشهم، فالإنسان ابن زمانه وابن بيئته، ومنهما يكتسب حدته ولغته وطريقة تفكيره وأخلاقه، فالبدوي القديم تجده خشن اللفظ والطباع، قوي القلب، كريمًا مخلصًا لمن أحب، حقوداً غليظاً لمن عادى، ففي بيئته يجب أن تسود صفة الكرم بين الناس وأن يُرفع من قدرها ويُعلى من شأن حاملها، فالكلأ والمرعى في الصحراء قليل، والماء والصيد معدومٌ أو نادر، والناس فيها أقرب إلى الفقر منهم إلى الغنى، فعليك إن كنت ممن قاطنيها أن تُكرم الناس وتُقري ضيفك حتى يكرموك ويقروك إن دار عليك الزمن. نعم .. قد لا تكون فكرة المقايظة هذه في نفس الكريم البدوي، بل ربما كان الكرم سجية فيه، لكنها على الأرجح موجودة في أسلافهم وفي اللاشعور لكثيرٍ منهم، وأما الصفات المقترنة بالشدة كالشجاعة وخشونة العيش وغلظة الطبع؛ فعلاقتها الوثيقة بحياة البدوي أظهر من أن تحتاج إلى تعليل. وبالحديث عن علاقة طباع البدوي ببيئته؛ يُروى أن الشاعر علي بن الجهم رحمه الله كان قد اعتنق مذهب أهل الحديث وترك مذاهب المبتدعة المتكلمين من المعتزلة والجهمي...