القاتل الوسيم .. ورسالة للآباء !
القاتل الوسيم .. ورسالة للآباء !
لا
أظن أن أحداً منا لم يسمع أو يقرأ قصة كاميرون هيرين أو على أقل تقدير أن يلمح[1]
صورته هنا أو هناك ..
كاميرون
.. ذلك الشاب الوسيم ذو العيون الساحرة ، وسحر عينيه ليس كغيره من السحر ، فالسحر
المعروف هو ما يغطي الحقائق ويطمسها ويخفيها ، فيحسّن القبيح ويقبّح الحسن، كما سَحَرَ
سحرةُ فرعون أعين الناس واسترهبوهم .. لكن سحر عيني كاميرون كشف لنا مدى كذب
شعارات التيارات النسوية العربية وهشاشتها أمام أول اختبار (وهو ليس الأول على
الحقيقة).
عيناه التي أوقدت في نفوس الفتيات "المناضلات عن حقوق النساء"؛ ناراً أنستهن أخواتهن وأنفسهن ، فهؤلاء لما رأينه أكبرنه وقطّعن كل العقائد اللاتي يؤمنّ بها ..
فهذه
تقول : يا ليته يُسجن عندي في الغرفة ..!
وتلك
تقول : ليتهم يأخذوا أبي بدلاً عنه ويعطونني إياه ..!
وأفجرهن
تقول : هذا رسول الله؛ ليس محمد ..!
كاميرون
اللطيف كان قد قتل أمّاً وقتل طفلتها الصغيرة دهساً بالسيارة ، والمناضلات عن حقوق
الإناث تركوا حق هذه الأنثى المظلومة وابنتها وراحوا يتباكون على هيرين المسكين
الذي لا يستحق السجن لأن وسامته وعينيه أكبر من أن تعاقب بهكذا عقاب ..
فواعجباً
لمن أعمت الشهوة بصيرته عن الحق، وطمست عاطفته الحقائق الجلية عن عقله ..!
لو
كان هذا المجرم تحت القضاء الإٍسلامي لربما وصل الحُكم عليه إلى الإعدام بالسيف، شفاءً
لقلب الزوج المفطور[2]
الذي خسر زوجته وطفلته ، لا أن يُسجن 24 سنة يأكل فيها ويشرب ويمارس الرياضة ويعيش بالمجان ..
مثل
هذه العيّنات التي ابتلانا الله بهنّ ليست إلا جزءاً بسيطاً مما نحصل عليه عند
تقليدنا لكل ما يأتي لنا من قاذورات الغرب وقمائمه ..
متى
نعي أن بوصلة الغرب الأخلاقية والتشريعية مضطربة مشوّشة ، لا تأخذنا إلى ساحل
ولا تدلّنا على مرفأ؟ ..
إن لكل
أمة شرعها وأسسها وقواعدها وحدودها، وكل أمة بما لديها فرحة فخورة إلا نحن العرب خاصة
والمسلمين عامة ..
نلفِظ
ما هو صالحٌ لنا، ونلهث خلف ما فيه دمارنا ..
لا
خير فيما يأتي لنا من الغرب إطلاقاً، إلا علماً طبيعياً (فالعلوم ليس فيها شرقي وغربي)
أو خُلُقاً موافقاً لديننا، فكم من فكرة تبنيناها فكان فيها هلاكنا؟، وكم من نظام أخذناه
منهم فكان وبالاً علينا؟، أين الاشتراكية والشيوعية التي ملأ معتنقوها العرب دنيانا
زعيقاً[3] في
القرن الماضي؟ لم تجلب لنا إلا الدمار والظلم والاستبداد .. أين الحركات القومية؟
أين عبدالناصر؟ أين القذافي؟ أين صدام حسين؟ أخذنا من الغرب فكرة القومية كما
أخذها الأتراك قبلنا، فسقطت إمبراطوريتهم العثمانية بسببها وانتهى عصرهم المجيد، وبسببها
هزمتنا إسرائيل في 67 كما لم يُهزم جيش قط .. في 6 أيام فقط ..! وها نحن الآن نتخبط
بمبادئ العلمانية والليبرالية ونحاول أن نؤسلم النظام الرأس مالي لنقول العالم نحن
مثلكم، نريدكم أن ترضوا عنا .. فصِرنا صورة مهجّنة مقيتة، فلا نحن متمسّكون
بالإسلام حق التمسّك، ولا نحن متعلمنون أو متلبرلون أو رأسماليون كما يجب أن نكون
..
قد
قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل؛ نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام
(وبالإسلام وحده) فإن ابتغينا العزة بغيره أذّلنا الله ، وواقعنا خير شاهدٍ على
صدق مقولته رضي الله عنه، فمتى بربكم نفيق من سكرتنا يا مسلمون ..؟
لقد
طُبِع على عقل الكثير من رجالنا ونسائنا أن ما يأتي به الرجل الأبيض (الغربي) هو
الحق البواح الذي لا لبس فيه، ولم يتفطنوا إلى أن الرجل الأبيض يرى بأفضليّته على
غيره من شعوب الأرض وأنه أعلى قدراً منهم ، ونحن بتقليدنا الأعمى لهم نعزّز لديهم هذا المعتقد
ونُقِرّهم عليه ..
أعلم
أن ثقافة الغالب تطغى على المغلوب كما قال ابن خلدون ، لكن أن يصير الأمر بهذا
السوء فهذا مما لا يُسكت عنه ، والمشكلة الكبرى أننا لا نأخذ منهم إلا مساوئهم الكثيرة
وندع محاسنهم القليلة ، فمتى نعي أن الغربي إنما تقدم علينا لانضباطه في عمله
وإتقانه وجِدِّهِ فيه ، ودقة مواعيده وتقديره لقيمة الوقت ، وسعيه الحثيث للأهداف
السامية ، وليس بالخلاعة والمجون والتفسّخ والضرب بالقيم الدينية والمجتمعية عرض
الحائط ..؟
أرى
أن السبب الرئيسي لما وصل إليه حالنا الفكري والعقائدي اليوم هو ابتعاث شباب
وفتيات المسلمين إلى بلاد الغرب الكافر وهم في عمر الزهور دون علم يقيهم الشبهات
أو دين يحفظهم من الشبهات .. كان الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل من أراد السفر بلا
معيارٍ ولا آلية، فكان نتاج هذا العمل المستمر والدؤوب للتغريب منذ سنوات أن عادوا
إلينا محمّلين بما استطاعوا حمله من أفكار غربية ظهرت آثارها جليّة الآن في مجتمعنا، أبصرها
الأعمى وسمعها الأصم ..
انسلاخٌ
لكثير من شبابنا عن كل ما يمت لديننا وأعرافنا بصلة ، وتقمّصهم بقميص الغرب في قلب
بلادنا ، فصاروا لنا أعداء متخفّين ، وشياطين مندسّين ، هم منّا وعلينا ، وليسوا
من الغرب ولكنهم لهم ، فلبّسوا على غيرهم (ممن لم يتقذّر بقذارتهم) معتقداتَهم ،
وصاروا أخدم للغرب وأجدى لمشروعهم من عشرات المدارس ومئات الأفلام وآلاف الكتب ..
إن
الأيام كما وصفها ربنا سبحانه وتعالى دوَلٌ بين الناس ، ولقد سطعت شمس الحضارة
الأولى بادئ الأمر في بابل العراق وتدمر الأردن وفراعنة مصر ، ثم غربت وسطعت في
اليونان القديمة ومقدونيا وكانوا سادة الدنيا ، ثم غربت وسطعت في فارس والروم واستعبدوا
العالم، ثم غربت وسطعت في بلاد المسلمين فكانت مدنهم هي حواضر الدنيا، كبغداد
ودمشق والقاهرة وقرطبة وإشبيلية وإسطنبول ، ثم غربت وسطعت في قلب أوروبا الحديثة
كلندن وباريس وبرلين ، ثم غربت وسطعت ولا زالت ساطعة منذئذٍ في العالم الجديد؛ أمريكا، وصار مدار العالم بأسره حول واشنطن ونيويورك ، وستغرب الشمس عنهم لا محالة وستعود ساطعة
مشرقة في حواضر العرب والمسلمين من جديد ، ويعود كل شيء إلى منبته ، وكل فرعٍ إلى
أصله ، فنتنظف من هذه الشوائب التي عشعشت[4]
فينا ، ونرجع كما كان آباؤنا الأولون ، وذلك وعدٌ ربّانيٌّ غير مكذوب ، صائرٌ لا
محالة بنا أو بدوننا ، وأسأل الله أن لا أموت حتى تقرّ عيني برؤيته.
رسالتي
الأخيرة هي لكم معاشر الآباء ..
لقد
أضعتم أمانة الله التي لديكم ، وستُسألون عن هذه العارية[5]
يوم لا ينفع مال ولا جاه ولا سلطان ولا بنون ، فبماذا أنتم مجيبون حينئذ ؟
يا
رب لم نكن نظن أن ما نفعله خطأ ..
يا
رب كنا نريد لهم أن يقلّدوا الغرب ليصبحوا متقدمين مثلهم ..
يا
رب غرّنا ما كنّا نسمعه وأعطيناهم الحرية فتركوا الدين وانسلخوا عنه ..
أتظنون
أيها الآباء أن هذه الأجوبة ستنجيكم من غضب الله، وتكفّر عنكم تضييعكم للأمانة ؟
أرأيتم
رجلاً كان مرتحِلاً إلى مكان بعيد ، ومعه طفلة صغيرة ، والطريق التي يريدها وعرة
وخطرة ، فأخذ طفلته واستودعها عند رجلٍ يثق به ، واستحلفه بالله أن يكون لها أباً
نصوحاً ومعلماً مخلصاً وموجّهاً ومؤدباً حتى يعود من سفره ويأخذ ابنته ..
فعاد
الأب من سفره بعد سنوات طويلة وسأل عن ابنته فأخبروه أنها متسكّعة[6] مع
الرجال، طويلة اللسان، عديمة الحياء، قليلة الأدب، فماذا ستكون ردة فعل الأب
حينئذ؟ ماهي كمية الغضب التي ستملؤه تجاه ذلك الرجل الذي خان الأمانة؟
ولئن
قال له الرجل أنه إنما أراد أن يُدلّلها، وأن لا يمنعها من شيء تشتهيه نفسها، وأن
يعطيها الحرية في حياتها، فهل يا ترى سينجيه هذا العذر ؟
ولله
المثل الأعلى ..
إن
الله ينتظركم معاشر الآباء ليتسلّم أماناته منكم، وإنه تعالى لا يحب الخائنين.
عبدالله الحماطي
[1] يلمح : من العامي الفصيح، وتعني؛ اختلس النظر
إليه بسرعة
[2] المفطور : انْفطَرَ الشيءُ: أي انشقّ ، وانْفَطَرَ
قَلْبُهُ حُزْناً : أي تَصَدَّعَ قلبه.
[3] زعيق : من العامي الفصيح، وتعني؛
الصياح الشديد
[4] عشعش : من العامي الفصيح، وتعني؛ سَكَنَ وتمكّن ، ومنه قول الشريف المرتضى (355 هـ - 436 هـ) :
ألا قلْ للألى ملكوا البرايا *** وعشعش في ديارهمُ النّعيمُ
[5] العارية : مرادف الوديعة، وهو ما يُعطَى للحفظ على
أن يُعاد
[6] المتسكع : هو المُتَجَوِّل على
غير هُدًى، لا وُجْهةَ له ولا هَدَف
لا فض فوك ، أجدت وأحسنت ،صدقت سموم الغرب توغلت وسط أبناء المسلمين ، والسبب التساهل في تربية أبناءنا بداعي الحرية ، صار الأبناء لا يهتمون للأمور المهمة وينتبهون لكل غث وتافه ، لا ينفعهم دنيا ولا دين ، واما النسويات فهن يتبعن الهوى لأ أكثر ولأ أقل ، والمصيبة أنه اتبعهن مجموعة أخرى على جهل بدون تفكير ولا علم.
ردحذف