جاليبولي .. المعنى الحقيقي للموت في سبيل الوطن



إن من أشرف الميتات وأكثرها رفعة وفخراً في الدنيا قبل الآخرة, الموت في سبيل الدين والمبادئ ثم الموت في سبيل الوطن, وكلما كان إيمان الفرد عميقاً بهما أو بأحدهما كان مقداماً شجاعاً جسوراً لا يهاب الموت, فالإيمان إذا استقر في القلب فانه يُسكِنه كما تُسكِن الأم طفلها فتُذهِب عنه الروع, فيظهر تأثير الإيمان على حواسه فتراه يرى الموت ولا يبالي, ويسمع الموت ولايبالي, وتظن أنه قد ذهب عقله وهو في الحقيقة في قمة وعيه حيث أن الموت أصغر من أن يلتفت إليه بجانب الأهداف النبيلة وأحقر من أن يُخاف منه, وهاهو ابن الوليد وهو على فراش الموت بعد حياة مليئة بالإنجازات والبطولات من جهة, وبالألم والمغامرات الغير محسوبة أحياناً من جهة أخرى يقول  "لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ أو طعنة أو رَمْية، ثم ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعَيْر، فلا نامت أعين الجبناء" فبعد كل معاركه وحروبه مات على فراشه, ولو أنه إلتفت إلى الموت أو خاف منه ولم يغامر ويضحي في سبيل دينه ,, لما كنت هنا أذكره بين سطوري ولما صار إلى ما صار إليه, وكما وصى الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأصحابه : "أطلبوا الموت توهب لكم الحياة" ويقال أيضاً أن الأجل يحميك من الموت فلا تخف ..

في الحقيقة لا أدري كيف ستسمح لي سطوري القليلة بأن أروي لك أيها القارئ قصة جاليبولي بطولها, فمهما أطلت فلن أوفي الشهداء حقهم في أن يُذكروا ويُشكروا ويُترحم عليهم, حتى وإن لم نعرف أسماءهم فالله يعرفهم ولن يترهم أعمالهم, وفي نفس الوقت لا أريد أن يتسلل الملل إلى إليك .. فقل لي بربك, ماذا أنت فاعل لو تبادلنا الأدوار؟؟


منذ أن خلق الله الخلق .. لم تشهد البشرية حروباً أهلكت العباد ودمرت البلاد كالحرب العالمية الأولى والثانية, فقد قتل في الأولى أكثر من 35 مليون إنسان وفي الثانية 60 مليون إنسان هذا بخلاف الدمار المعماري, ويؤسفني أن أقول أن الدولة العثمانية كانت مشاركة في الحرب العالمية الأولى, ولقد لام الجميع أنور باشا وزير الحربية لأنه هو الذي أقحم الدولة العثمانية في هذه الحرب التي تسببت بعد ذلك في انهيارها وتقسيمها, يقول جمال باشا وزير البحرية وقائد الجيش الرابع العثماني في الحرب العالمية الأولى وهو الذي كان معارضاً تماماً لفكرة المشاركة في الحرب وتجادل مع أنور باشا كثيراً إلا أن أنور باشا كان عنيداً وأصر على الحرب :
"كان أنور باشا على حق, حيث أننا (يقصد الدولة العثمانية) كنا مقسمين لا محالة, ولم يكن أمامنا خيار إلا القتال لكي نعيش ".

جمال باشا وزير البحرية
                                                                           
    أنور باشا وزير الحربية    

إشتعلت الحرب .. كل حكام الأرض اتفقوا على أن يختلفوا, وكانت الشعوب هي الخاسر الأكبر.
دول المحور :(( ألمانيا - الدولة العثمانية - مملكة النمسا - بعض العشائر العربية ))
ضد
الحلفاء : ((روسيا - بريطانيا - فرنسا - أمريكا - بلجيكا - اليونان - صربيا - أستراليا - نيوزيلندا - الثوار العرب )) ..

كانت هناك معارك طاحنة على الجبهة الروسية الألمانية, حيث أن الدولتين هم من أقوى الدول في العالم, وهما متكافئتان على الورق إلا أن الواقع كان شيئاً أخر ..
أذاق الألمان الجيوش الروسية الويلات في بداية الحرب وهزموهم مرات عديدة وكبد الألمان الروس خسائر فادحة ونفد احتياط الذخائر لدى الروس سريعاً ولم تعد تستطيع المصانع الروسية تغطية الحاجة الملحة للذخائر إلا بمقدار الثلث وفي نفس الوقت كانت جبهة القوقاز مشتعلة بالمعارك بين الروس من جهة والدولة العثمانية والمتطوعين القوقازيين من جهة أخرى, فاستنجدت روسيا ببريطانيا وفرنسا ليعاونوها على ألمانيا وخيرتهم بين إمدادها بالذخائر أو أن يفتحوا جبهة ضد الألمان ليخففوا الضغط عنها, لكن العقبة الوحيدة في وجه إمداد الروس بالذخائر كانت الدولة العثمانية حيث أن الذخائر تحتاج إلى نقلٍ بحري والعثمانيون يسيطرون على الممرات البحرية بين أوروبا وروسيا.



عرض ونستون تشرشل الذي كان وزيراً للبحرية حينئذٍ على مجلس الحرب البريطاني خطة جريئة لاقتحام مضيق الدردنيل واحتلال العاصمة اسطنبول لشطر الدولة العثمانية وجيشها إلى جزأين وإمداد الروس بالذخائر .. وبعد مشاورات, وافق المجلس بأرجحية التصويت, وكما يقول المؤرخ كرستيان كوتس في كتابه (الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط).. كانت وجهة نظر تشرشل أن فتح جبهة مع الألمان أمرٌ خطيرٌ جداً, فالألمان خصم لا يستهان به أما الأتراك فلا يقارنوا بالألمان لضعف إمكانياتهم, وخشي تشرشل إن لم ينجد الروس أن ينسحبوا من الحرب فيضطروا هم أن يقاتلوا الألمان .. عندها وعدهم بإعطاءهم اسطنبول بعد أن يحتلها ليحثهم على الإستمرار في الحرب.

ونستون تشرشل

اتفقت بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا على تكوين جيش مشترك لاحتلال اسطنبول, فأعدوا أسطولاً بحرياً قوياً يحتوي على 17 بارجة ضخمة و 35 كاسحة ألغام و طراد مقاتل و20 مدمرة كبيرة, وكان وزير الحربية البريطاني كوتشنر رغم فراسته المعروفة عنه كان يعتقد أن الجيش العثماني عند مضيق الدردنيل لن يصمد طويلاً فإما سيفر أو سيهزم سريعاً, وكان تعداد جيش الحلفاء أكثر من 75 ألف مقاتل بينما العثمانيين كانوا قرابة 84 ألف مقاتل يقودهم مصطفى كمال (أتاتورك) ومعه المستشار العسكري الألماني ليمان فون ساندرز.

مصطفى كمال أتاتورك

ليمان فون ساندرز
                         
وصل أسطول الحلفاء إلى شبه جزيرة جاليبولي وكانوا يريدون في البداية أن يختبروا دفاعات العثمانيين قبل أن يقتحموا مضيق الدردنيل, فأرسلوا مدمرتان وبارجتان كجس نبض فقط, ولم يكن العثمانيين يملكون أسطولاً بحرياً يجابهوا به أسطول الحلفاء, فكانوا يقصفون سفن الحلفاء من الساحل, فما أن اقتربت سفن الحلفاء من جاليبولي حتى أمر أتاتروك المدفعجية بإطلاق النار, فبدأ الإطلاق من الساحل وسفن الحلفاء هي الأخرى ترد النار بالنار وتقصف الأبراج والحصون وأماكن المدافع .. واستمر الوضع ساعاتٍ عدة والكل يقصف ولاتسمع إلا طلقات المدافع .. وبدأت نيران السفن تُسكِت مدافع العثمانيين وبدأ الحلفاء يستشعروا النصر واستمرت النيران حتى صمتت مدافع العثمانيين تماماً واختفى الجنود العثمانيين من على الساحل .. ففرح الحلفاء بالنصر وأرسلوا لبقية الأسطول يعلموهم بالنصر وبهرب العثمانيين ويطلبون منهم المجيء فالطريق آمن. 





خريطة موقع المعركة




 خريطة موقع المعركة مقربة


وصل بقية الأسطول, وهنؤوهم على الإنتصار وساروا سوية بمحاذاة ساحل جاليبولي سعداء بالنصر السهل والسريع والمتوقع كما قال كوتشنر على العثمانيين, فقد أمنوا طريقهم فلم يعد هناك جنودٌ على الساحل ولم يكن عند جاليبولي أي ألغام بحرية فكان الطريق ممهداً لاحتلال اسطنبول .. سار الأسطول متوجهاً إلى بحر مرمرة الذي يفصلهم عنه مضيق الدردنيل فقط, فما أن دخلوا المضيق حتى حدثت المفاجأة .. انفجرت معظم سفن الأسطول وغرقت في المضيق بشكل مفاجئ وانتشر الذعر بين الجنود, حيث أن أتاتورك كان قد أمر بوضع حقل ألغام بحري خفي في مياه المضيق وأن يتظاهروا بالهزيمة عند ساحل جاليبولي لكي يطمئن الحلفاء ويتقدموا بثقة ويقعوا في الفخ, وبالفعل نجحت الخطة حيث أغرقت الألغام معظم سفن الحلفاء, عندها صاح أتاتورك بالهجوم فخرج العثمانيين من ضفتي المضيق وصيحاتهم تدوي المكان وبدأوا بقصف الأسطول المتهالك ليُجهزوا على ما بقي منه ولم ينجُ من هذا الكمين إلا بضع سفن بصعوبة, وقد أصيبت سفينة القيادة بقذيقة مدفعية كادت تغرقها وكان المشهد مروعاً.

مضيق الدردنيل


لقد كان إنتصاراً بحرياً ساحقاً للعثمانيين بكل ماتحمله الكلمة من معنى رغم عدم امتلاكهم لأسطول حربي, يصف اللواء الإنجليزي إميل جيبريت الذي كان أحد الناجين من المعركة المشهد وصفاً مثيراً فيقول :
"كان المشهد مأساوياً رهيباً, كانت صورة تجسد الدمار إذ لم تترك النيران شيئاً, وأما شبابنا الذي كانوا منذ دقائق ملؤهم اليقظة والثقة بالنفس فكانوا جميعاً يرقدون جثثاً هامدة على سطح السفينة وقد حولتهم النيران إلى هياكل عظمية محترقة متفحمة دون أثر لأي ملابس حيث إلتهمت النيران كل شيء".



هربت السفن الباقية على قيد الحياة, وانتشرت الفضيحة في الأوساط العالمية, وأصبحت الحكومة البريطانية تحت الضغط واهتزت هيبتها كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس, فالأسطول البريطاني الأقوى عالمياً, وروسيا تلمح بانسحابها من الحرب إن لم يتم انجادها سريعاً, فتغيرت خطة الحلفاء إلى الغزو البري فحشد الحلفاء أكثر من 400 ألف مقاتل لاحتلال اسطنبول وتغطية الفضيحة البحرية, فوصلت أنباء حشود الحلفاء الضخمة إلى القيادة العثمانية وكان الوضع متأزماً حيث شارفت ذخائر المدافع لدى العثمانيين على النفاد بعد المعركة البحرية, وعلاوة على ذلك فمعظم الجيوش تقاتل في الجبهات فمن الصعب طلب التعزيزات البشرية لمجابهة جموع الحلفاء, فجمع العثمانيين ماستطاعوا من قوات وتطوع الآلاف من الشبان الأتراك وعدداً من السوريين والفلسطينيين للمشاركة في الدفاع عن اسطنبول, كلٌ منهم يفضل الموت على تسليم الوطن.



وفي 25 أبريل 1915م وصل أسطول الحلفاء إلى سواحل جاليبولي وعليهم إنزال الجند على الأرض وهي المهمة الأصعب في الحروب, و كان أتاتورك ومن معه مختبئين خلف التلال والأشجارعند الشاطئ استعداداً لصد الغزاة, فانقسم الأسطول إلى قسمين حيث ذهب البريطانيون والفرنسيون إلى منطقة رأس هيليس وهي منطقة الإنزال الرئيسية, وذهب الأستراليون والنيوزيلنديون إلى شاطئ أنزاك, فما أن رست السفن ونزل الجند على الأرض حتى صاح أتاتورك بالهجوم وكان متواجداً جهة البريطانيين والفرنسيين ,, فخرجت الرشاشات العثمانية والمدافع على الشاطىء وبدأت النيران على الحلفاء كالمطر, ولحسن حظ العثمانيين أن الشاطئ الذي نزل فيه البريطانيون والفرنسيون كان منحدراً باتجاه البحر فأبطأ من حركة الجنود فاصطادتهم الرشاشات العثمانية حيث أنه لم ينج من أول 200 جندي نزل على الأرض إلا 21 جندي فقط, وتمكنوا من صد الهجوم ولم يتمكن الحلفاء من تجاوز خط الساحل وتخندقوا هناك, لكن المشكلة كانت في منطقة أنزاك,, حيث نزل الأستراليون والنيوزيلنديون على الأرض وتقدموا كثيراً في الجزيرة ولم يستطع المدافعين العثمانيين أن يوقفوهم وكانت سفن الحلفاء تقصف المدافعين المتواجدين على الساحل لتسهيل الأمر على الجنود المهاجمين وكان الوضع حرجاً جداً, فجاء القادة إلى أتاتورك يعلمونه بالمصيبة ويطلبون منه أن ينقذ الموقف أو أن يجد حلاً وإلا فالهزيمة تعني سقوط اسطنبول, فذهب أتاتورك سريعاً وأخذ فرقة مشاة من قوات الإحتياط وقاد هجوماً عثمانياً مضاداً شخصياً وصاح في جنده بمقولته الشهيرة "لست آمركم بالقتال, بل آمركم بالموت" فخرج الجميع معه من خلف التلال وبدأت المواجهة في الساحة وجهاً لوجه فإما أن ننتصر وننقذ وطننا .. أو نموت, واستقتل العثمانيون في القتال واقترب الطرفين من بعضهم كثيراً, ونيران الطرفين تصطاد الطرفين, وكثر القتلى وامتلأ الساحل بالجثث, فالحلفاء لا مهرب لهم فخلفهم البحر وأمامهم العدو, والعثمانيين يفضلون الموت على تسليم الوطن, يقول المؤرخ كريستيان كوتس معلقاً على بطولة أتاتورك وقدرته على تحفيز الجند:
"ولقد انتزع هذا العمل البطولي الزخم من القوات المهاجمة في الوقت الذي بدت فيه نتيجة المعركة غير واضحة, كما أنه وضع الأسس لإضفاء هالة أسطورية على أتاتورك ليصير ما صار إليه فيما بعد من شخصية وطنية عظيمة"

مصطفى كمال مع رجاله في جاليبولي

ومع إنتهاء اليوم كان العثمانيين قد تمكنوا من احتواء الهجوم وسيطروا على الموقف ولم يستولي الحلفاء إلا على خط الساحل وتخندقوا فيه, بينما تمترس الجنود العثمانيين خلف التلال ومنعوا الماء العذب عن الحلفاء وأصبح الميدان كأنه حصار يفرضه العثمانيين على الحلفاء وكان القناصة العثمانيون متمركزين على التلال, فما ان يرفع الغازي رأسه من خندقه حتى أطاروه له .. واستمر الوضع قرابة الأربعة أشهر فلا العثمانيين يستسلمون ولا الحلفاء ينسحبون حيث أن الحكومة البريطانية أمرت جنودها بالقتال حتى النهاية لأن الإنسحاب والهزيمة سيضر بهيبة بريطانيا وقد يحدث ثورات ومشاكل في مستعمراتها, يقول كوتس معلقاً :"إن الإعتراف بالهزيمة والأمر بالجلاء عن شبه الجزيرة لم يكن بالأمر السهل, حيث تشابك في عقول واضعي السياسات البريطانيين مع قضية هيبة الإمبراطورية, وكان المسؤولون في لندن يخشون العواقب على الحكم البريطاني في المستعمرات إذا ما اعتُبروا أنهم لاقوا هزيمة أمام عدو آسيوي".



في أثناء الحصار .. كان العثمانيين يشنون هجمات على خنادق الحلفاء من حين لآخر حيث كانت ألمانيا تزود حليفتها الدولة العثمانية بالذخائر, وفي أحد الأيام أرسلت ألمانيا أسطولاً صغيراً من الغواصات لتخفيف الضغط عن العثمانيين, فما أن وصلت الغواصات خلف أسطول الحلفاء حتى أطلقوا التوربيدات فأغرقت بارجتين بريطانية وانسحبت الغواصات سريعاً حيث لم ترغب ألمانيا بالتدخل طويلاً في المعركة لانشغالها بالجبهتين الروسية والفرنسية, وفي إحدى المرات وصلت الأنباء إلى ألمانيا أن بريطانيا أرسلت بارجة محملة بالجنود والتعزيزات إلى جاليبولي, فأرسلت على الفور عدد من غواصاتها فأغرقوا البارجة بمن فيها, فكانت تحاول تخفيف الضغط عن العثمانيين من حين لآخر .. ومن المواقف النبيلة في المعركة أنه في أحد أيام الحصار أصيب جندي من الحلفاء بنيران القناصة العثمانيين وسقط على الأرض بين المعسكرين وهو يصيح من الألم ويتلوى ويستغيث ولم يخرج له أحد من جنود الحلفاء "أصدقاءه" لينجده, واستمر يصيح ويبكي بين الصفين حتى خرج أحد العثمانيين من خندقه وهو يحمل راية بيضاء فركض نحو المصاب وحمله إلى معسكر الحلفاء ثم رجع إلى خندقه.

صورة إلتقطها العثمانيين في ما بعد تجسد الموقف

وفي 22 نوفمبر 1915م .. تحت هجمات العثمانيين شبه اليومية والحصار البحري المفروض من قبل الغواصات الألمانية ومنع العثمانيين للماء العذب عن قوات الحلفاء ودخول فصل الشتاء وكثرة القتلى وانتشار الأمراض بسبب الباعوض وكثرة الجثث المتعفنة أيقن مجلس الحرب في لندن أن الوضع في جاليبولي أصبح ميؤوساً منه, وتم اتخاذ قرار الإنسحاب الكامل من جاليبولي وأُعلِن انتصار الدولة العثمانية المفاجئ على جيش الحلفاء وتصدر الخبر الصحف العالمية لأيامٍ عديدة, وتمت إقالة ونستون تشرشل من وزارة البحرية وتم تحميله مسؤلية الفشل, يقول كوتس معلقاً على الهزيمة: "والحقيقة أن قوات الحلفاء واجهت عدواً جباراً في جاليبولي, حيث أدت القوات العثمانية أداءً قتالياً عظيم الفعالية ... والشيء المهم أن حملة جاليبولي أعادت الروح إلى المجهود الحربي العثماني مما ساهم في إنتصار العثمانيين بعد ذلك على بريطانيا في معركتي قطيسفون في نوفمبر 1915م و كوت العمارة في أبريل 1916م".



وفي الحقيقة فقد كان ثمن هذا الإنتصار باهظاً بل باهظاً جداً, حيث ضحى العثمانيين بأرواحهم لكي ينتصروا, ومن المفارقات العجيبة أن عدد قتلى وجرحى العثمانيين كان أكبر بكثير من قتلى وجرحى الحلفاء ومع ذلك فقد انتصروا, حيث استشهد من العثمانيين في حملة جاليبولي قرابة 300 ألف شهيد و الجرحى أكثر من  190 ألف جريح بينما خسائر الحلفاء كانت 230 ألف قتيل و 160 ألف جريح, ومن المحزن والمؤسف أن عدداً من المؤسسات التعليمية لم تخرج طلاباً في تلك السنة لاستشهادهم في جاليبولي دفاعاً عن وطنهم حيث أن أغلب القتلى والجرحى كانوا من المتطوعة .. يقول الشاعر التركي الكبير محمد عاكف أرصوي راثياً شهداء جاليبولي:
"أيها الجندي الساقط على التراب لأجل التراب ..
لو نزل الأجداد من السماء ليقبلوا جبينك المضيء لكنت تستحق ذلك ..
كم أنت عظيم ..
دمك الذي يحكي وينقذ التوحيد ..
أيها الشهيد ابن الشهيد, لا تطلب مني قبراً ..
هاهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم فاتحاً ذراعيه ينتظرك .. ."

الشاعر محمد أرصوي

إلى هنا تنتهي قصة جاليبولي أو شناق قلعة كما تسميها بعض المصادر, ورحم الله الشهداء وحمى الله أوطاننا من كيد الأشرار .. وقد بذلت الجهد كي أختصر و أوصل إليك أيها القارئ القصة في بضعة أسطر فلا تنسى العبد الفقير من دعواتك, والحمدلله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26 سبتمبر – يوم من أيام الله

102 عام على مذبحة قافلة الحجاج اليمانية

ملحمة بليفنا .. وصمود الأبطال