للهداية لا للتبرّك والطرب




.:: للهداية لا للتبرّك والطرب ::.



كنت في صغري أقول في نفسي متذمراً .. 
لماذا أعطانا الله معجزة القرآن وأعطى اليهود والنصارى العصا التي تتحول إلى أفعى وأعطاهم إحياء الموتى والماء الذي يخرج من الصخر؟! .. 
لماذا معجزتنا ليست "مثيرة" أو "ملفتة" كمعجزاتهم؟! ..
كنت ببراءة الأطفال أميز المعجزات بأن الأكثر غرابة والأكثر حماساً هي المعجزة الأفضل والأقوى ..

استمر هذا التساؤل والتذمر فيّ حتى سمعت يوماً أحدهم يقول بأن معجزات أهل الكتاب هي معجزة محصورة في وقت معين وأشخاصاً معينين وتنتهي, أي أنه وعلى سبيل المثال لن ولم يرى عيسى عليه السلام وهو يحيي شخصاً ميتاً ويرجعه حياً معافى إلا حواريّيه والثلة التي كانت محيطة به فقط, فبموتهم ورفع عيسى تنتهي هذه المعجزة, وأما معجزة القرآن فهي باقية أبد الدهر, فلا وقت محدد لها ولا أناس معينون يشهدونها, ولذلك هي المعجزة الأعظم.

وبما أننا أصحاب المعجزة الأعظم, القرآن الذي خاطبنا الله فيه قائلاً : (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )(10) الانبياء - أي أنه سبحانه وتعالى أنزل إلينا كتاباً فيه ذكرنا وشرفنا ..
فما لنا لا نعقل ذلك ؟! ..

أعظم معجزة عرفتها البشرية تنزل علينا وبلغتنا العربية من بين كل لغات وأجناس العالم ! ..
فلماذا تفاوتت حالتنا معه ؟! ..

كان أجدادنا من قبل عند قراءتهم  له كأن أجسادهم كلها تتحول إلى أذن تسمع وعقل يعي ! .. أما الآن فنحن بين هاجرٍ له وبين من يعطره وينظفه ويضعه في البيت أو السيارة للحماية من العين والحسد وشرور الأقدار.. ومن كان أصلح حالاً يقرأه من الجمعة إلى الجمعة بغرض البركة .. وفي الآونة  الأخيرة ظهر لنا من هو مواظبٌ على القرآن لكن ليس من أجل التدبر أو طلباً للهداية بل من أجل الطرب !!! ..
لا أدري الآن أبدأ بمن من هذه الأصناف ؟! ..
واذا اتّبعنا الترتيب الذي عرض من خلال السطور السابقة فسأصطدم بالهاجر للقرآن المفارق له  أولاً ..
ألست تطلب من الله دائماً التوفيق والخير ؟ ..
ألست تصلي وترجو محبة الله ؟ ..
ألست تتصدق سراً طلباً لرحمة الله واطفاء غضبه ؟ ..
لماذا لا تختصر الطريق إلى رغباتك ؟ ..
هل سبق في حياتك أن رأيت رجلاً مشهوراً بالكرم والجود يعطي الناس وينسى أهله ؟! ..
فما ظنك برب العالمين الكريم الجواد .. لماذا لا تصبح من أهله ؟! ..
روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أصحابه يوماً : "إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ ..
قالوا: يا رسولَ اللَّهِ من هُم ؟ ..
قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ."

وأما من يعامل القرآن كما يعامل أهل الكتاب كتبهم فيقرؤه أحياناً للبركة فقط لا للعمل به ويعطره ويزينه وينظفه ويحفظه في مكان ما فسأورد لهم هذه القصة التي سمعتها من معلمي عبدالعزيز السقاف ..
"تخيل أن رجلاً غنياً أراد السفر للتجارة وترك في المنزل ثلاثة من أبنائه ليرعوا المنزل وشؤونه ريثما يعود من سفره .. وكتب وصية لأبنائه وأعطى لكل واحد منهم نسخة منها ثم انطلق في سفره ..
فأما الابن الأول فتركها وأهملها وأضاعها ولم يقرأها حتى ..
وأما الثاني فلم يقرأها لكنه عطرها وزينها ووضعها في مكان مرتفع احتراماً لها ..
وأما الثالث فقرأها وعمل بأوامر والده التي كتبها فيها ..
فالآن .. برأيك !! .. عند عودة الأب من سفره سيكون راضياً عن أيٍّ من أبنائه الثلاثة ؟! .."

روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى قومًا يقرؤونَ القُرآنَ .. فقال : ا"قرَؤوا القُرآنَ قبل أنْ يأتيَ قومٌ يُقيمونَه إقامَةَ القِدحِ يتَعَجَّلونَه، ولا يَتأجَّلونَه."

أي أنّ قوماً سيأتون آخر الزمان يقيمون القرآن إقامة القدح, أي يقيمون حروفه وألفاظه ومخارج حروفه على أعلى مستوى كإقامة القدح, والقدح هو السهم, أي أنهم يقيمونه ويسوونه كما يسوون السهم فيجعلونه مستقيماً تماماً لا اعوجاج فيه ولا خلل .. "ولا يتأجلونه" أي لا يرجون منه ثواباً وهداية, فهم يقرؤونه للبركة فقط !!..

وأما جماعة الطرب بالقرآن فإني أعلم أحد المتدينين من لديه "قروب واتساب" يرسل فيه كل يوم قراءة للقرآن لأحد المشايخ أصحاب الأصوات الفائقة الجمال, وكل يوم يرسل قراءة على مقامٍ مختلف, فللألحان مقامات وللصوت أنواع يعرفها أهل الاختصاص والغناء .. 
لكأن قروبهم صار من أجل الطرب و"تعديل المزاج" لا لأجل القرآن نفسه !! ..

روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "اقرَؤوا القُرْآنَ بلُحونِ العرَبِ وأصواتِها، وإيَّاكم ولُحونَ أهلِ الفِسْقِ وأهلِ الكِتابَيْنِ، وسيَجيءُ قومٌ مِن بعدي يُرجِّعونَ القُرْآنَ ترجيعَ الغِناءِ والرَّهبانيَّةِ، لا يُجاوزُ حناجِرَهم، مَفتونةٌ قلوبُهم، وقلوبُ الَّذين يُعجِبُهم شأنُهم."

فكما قال الله تعالى لنبيه يحيى "خذ الكتاب بقوة" ..
أقول لنفسي أولاً ولكم ..
خذوا القرآن بقوة ..
فيه عزّنا وشرفنا وهدايتنا .. 
فــبه يرفع الله أقواماً ويضع آخرين.



انتهى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26 سبتمبر – يوم من أيام الله

ملحمة بليفنا .. وصمود الأبطال

القاتل الوسيم .. ورسالة للآباء !