تباً لكم أيها الرجعيين !
.:: تباً لكم أيها الرجعيين ! ::.
"رجعيّين" ..
مصطلح ظهر حديثاً من قبل بعض المحسوبين على
فئة المثقفين يصف به كل من يتمسك بتقليدٍ أو فتوى شرعية لأحد السلف أو عادة معينة
موروثة عن الأباء والأجداد لا تنافي العقل والمنطق ولا مصلحة في تركها ..
وهؤلاء "المثقفين" تراهم مغترّين
بكل ما هو "غربي" ..
صاروا أشد تعصباً على الثقافة الغربية من
الغربيين أنفسهم ..
يا لمنظرهم المثير للشفقة ! ..
فإن قلت لأحدهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
كان يأكل بيده ويأكل بثلاثة أصابع تراه يرمُقك بنظرة احتقارٍ ويصيح في وجهك بأن
هذا ينافي الذوق و "الإتيكيت" ..
ومنهم من لو رآك في مناسبة مرتدياً
"الثوب" أو لبس أهلك التقليدي نظر إليك بازدراء وهو مرتدي بدلة أو Suit ويقول في نفسه : "تباً لك يا رجعي !!!" ..
أمّا لو أخبرته أن السنة إذا وقعت الذبابة في
إناء وخرجت أن تدخلها مرة أخرى فقد حلّت عليك الطامّة ! ..
ومنهم من غاص في أقحم نفسه في ما لا علم له
فيه .. فتراه متخبطاً بين الفقه والحديث والتفسير .. فتارة تراه يضعف حديثاً صححه
العلماء .. وتارة يفسر آية بتفسير لم يأتي به أي عالم لمدة 1400 سنة .. كأن الله
أرسله ليبين لنا ما كان عنه آباؤنا وأجدادنا حتى زمن النبي عنه غافلون .. وإن
اعترضته صاح فيك قائلاً ..
"هم رجال ونحن رجال ولدينا عقول مثلهم
!!!"
لمثل هؤلاء البشر أكتب مقالي هذا علّ عقولهم
تعود إليهم بعد أن يقرأوه ..
ولكي أزيد غيظهم جلبت لهم نصّاً أعجبني لأحد
الـ"أقدمين" وهو البليغ عبدالله بن المقفّع رحمه الله الذي يصف هذه
العينة المثيرة للشفقة ويشرح لها داءها .. فمثل هذه العيّنات كانت موجودة منذ زمن
طويل لكنها تطورت في عصرنا الحالي ..
يقول ابن المقفع رحمه الله : "إنَّا وجدنا
الناسَ قبلنا كانوا أعظمَ أجسامًا، وأوفرَ مع أجسامهم أحلامًا (عقول)، وأشدَّ
قوةً، وأحسنَ بقوَّتهم للأمور إتقانًا، وأطولَ أعمارًا، وأفضلَ بأعمارهم للأشياء اختبارًا
.. فكان صاحبُ الدِّين منهم أبلغَ في أمر الدِّين علمًا وعملًا من صاحب الدِّين منَّا,
وكان صاحب الدنيا على مثل ذلك من البلاغة والفضل.
ووجدْناهم لم يرضوا
بما فازُوا به من الفضل الذي قُسِم لأنفسهم حتى أشركونا معهم فيما أدركوا من علم الأولى
والآخرة، فكتبوا به الكُتب الباقية، وضربوا الأمثال الشافية، وكفَوْنَا به مؤونة التجارب
والفِطَن .. وبَلَغَ من اهتمامهم بذلك أنَّ الرجل منهم كان يُفتح له الباب من العلم،
أو الكلمةُ من الصواب — وهو في البلد غير المأهول — فيكتبه على الصخور مبادرةً
للأجل، وكراهيةً منه أنْ يَسْقُط ذلك عمَّن بعده.
فكان صَنِيعهم
في ذلك صنيعَ الوالد الشفيق على ولده، الرحيم البرّ بهم الذي يجمع لهم الأموال والعُقَد، إرادةَ
ألَّا تكون عليهم مؤونة في الطلب، وخشيةَ عجزهم إنْ هم طلبوا .. فمُنتهى علم عالِمنا
في هذا الزمان أنْ يأخذ من عِلمهم، وغاية إحسانِ مُحسننا أنْ يقتديَ بسِيرتهم.
وأحسنُ ما يصيب
من الحديث محدِّثنا أنْ ينظر في كتبهم، فيكون كأنه إياهم يحاور, ومنهم يستمع، وآثارَهم
يتَّبع، وعلى أفعالهم يحتذي، وبهم يقتدي.
غير أنَّ الذي
نجد في كتبهم هو المنتخَل من آرائهم، والمُنتقى من أحاديثهم.
ولم نجدهم غادروا شيئًا
يجدُ واصفٌ بليغ في صفة له غايةً لم يسبقوه إليها؛ لا في تعظيم لله عزَّ وجلَّ وترغيبٍ
فيما عنده، ولا في تصغيرٍ للدنيا وتزهيد فيها، ولا في تحرير صنوف العلم، وتقسيم قِسَمِها، وتجزئة
أجزائها وتوضيح سُبُلِها وتبيين مآخذها، ولا في وجهٍ من وجوه الأدب وضُروب الأخلاق,
فلم يبقَ في جليل الأمر ولا صغيره لقائل بعدهم مقال."
والأسوأ من تلك الأصناف جميعاً هو من سخر جلّ
طاقته الجسدية والمادية والمعنوية لسلخ الأمة عن دينها أو عاداتها وتقاليدها فهو
لم يكتفي بالإحتقار والإزدراء للماضي, بل وضع ما يؤمن به حيّز التنفيذ, ضارباً
بالدين والعرف عرض الحائط ..
فيا له من مسكين !! ..
باع دينه وهويّته بعرضٍ من الدنيا قليل !! ..
عنهم
يقول الزعيم علي عزت بيغوفيتش رحمه الله :
" أمّا أولئك الذين يُدْعون بالتقدميين أو العصريين أو المستغربين إلى
غير ذلك مما يسمون به أنفسهم .. فإنهم يمثلون في الحقيقة سوء حظ هذه الأمة المسلمة
.. إنهم كثرة كثيرة .. ذات نفوذ و تأثير .
إنهم يهيمنون بشكل ملحوظ على الحكومات وعلى التعليم والحياة العامة, وهم
يرون في فئة المحافظين تشخيصًا للإسلام, ويدعون الآخرين إلى أن ينظروا نفس النظرة
.. وهكذا استطاع دعاة الحداثة أن ينشئوا جبهة ضد كل ما تمثله الفكرة الإسلامية .
و نستطيع التعرف على هؤلاء الذين أقاموا
اليوم من أنفسهم مصلحين في البلاد المسلمة من خلال فخرهم بما كان يجب أن يخجلوا
منه، وخجلهم مما كان يجب أن يفخروا به .
إنهم " أبناء آبائهم " فقد تعلّموا
في أوروبا ثم عادوا من هناك بشعور عميق بالدونية تجاه العالم الغربي المتقدم
الغني، و شعور بالاستعلاء على مجتمعاتهم التي جاءوا منها وقد أحاط بها الفقر والتخلف .
لقد حُرموا من التربية الإسلامية الصحيحة,
وفقدوا كل صلة روحية أو أخلاقية بشعوبهم, ومن ثم فقدوا معاييرهم الأولى وأصبحوا
يتخيلون أنهم بتخريب الأفكار المحلية والتقاليد والمعتقدات وبتقديم أفكار غربية
سيقيمون أمريكا التي يكنّون لها إعجابًا مبالغًا فيه على أرض بلادهم في يوم و ليلة .
إنهم بدلًا من العمل على تطوير إمكانات
بلادهم الخاصة ذهبوا ينفخون في شهوات الناس ويضخمون رغباتهم المادية، فأفسحوا بذلك
الطريق أمام الفساد والفوضى الأخلاقية، إنهم لم يستطيعوا أن يفهموا أن قوة العالم
الغربي لا تكمن في طريقته في الحياة وإنما في طريقته في العمل, وأن قوته ليست في
الموضة والإلحاد وأوكار الليل وتمرد الشباب على التقاليد، وإنما تكمن في الكدح
الذي لا مثيل له، وفي المثابرة والعلم والشعور بالمسئولية التي تتميز بها شعوبهم."
فياليت قومي يعلمون.
تعليقات
إرسال تعليق