كتابنا يُحرق فماذا لو كان لنا خليفة؟

 

كتابنا يُحرق فماذا لو كان لنا خليفة؟

جميعنا رأى أو سمع عن ذلك الخنزير الدنماركي الذي استدعته الحكومة السويدية ليحرق مصحفًا أمام السفارة التركية بالسويد ردًا على رفض تركيا انضمام السويد إلى حلف الناتو؛ فهبّت المظاهرات تنديداً ونصرةً لكتاب الله تعالى في عدة عواصم إسلامية، وخرجت بيانات الاستنكار الهزيلة من هنا وهناك؛ الأمر الذي ذكرني بقصيدة الحكيم أبي تمام التي ذاع صيتها وسارت بها الركبان والتي يقول في مطلعها:

السَيفُ أَصدَقُ إنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في

مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

 

نعم .. قالها صريحة وواضحة؛ لا يزول الريب ولا تزاح النازلة إلا ببيض الصفائح لا سود الصحائف، لكن تكلفة البياض أعلى من السواد، وقليلٌ من يدفع ثمنها .. 

ثم يأتي من بعده الأبيوردي بسنين متعجبًا وساخطاً على من ظنوا أن "تسويدهم" يكفي كإنكارٍ منهم على مصائب الأمة، وقد رُفِعت عنهم به الملامة وقرّت أعينهم بنومٍ عميقٍ وضمير مُشفَى؛ فيقول:

أَتَهويمَةً في ظِلِّ أَمنٍ وَغِبطَةٍ

وَعَيشٍ كَنُّوارِ الخَميلَةِ ناعِمِ..؟!

وَكَيفَ تَنامُ العَينُ مِلءَ جُفونِها

عَلى هَفَواتٍ أَيقَظَتْ كُلَّ نائِمِ..؟!

 

سألت نفسي .. ماذا لو كان لنا خليفة؟ هل سيمنع الإساءة لمقدساتنا؟

ذهبت أنظر هل في التاريخ لهذا الموقف من مثيل ؟

ظفرت بموقفٍ مهيب في صدر الإسلام، وقد هدد قيصر الروم بنبش قبرٍ لصحابي جليل رضي الله عنه، وهي بلا شك من أعظم الإهانات للمسلمين، فهذا القبر ليس لمسلم فقط، بل لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم..! والكافر يهدّد بنبشه..!

وظفرت بموقفٍ آخر قبل قرنٍ تقريباً من الآن، وقد أزمعت بلاد الكفر على الاستهزاء بشخص نبينا صلى الله عليه وسلم، وتمثيله على مسارح أوروبا بأبشع الصور..!

وسأكتفي بهذين الموقفين في طرفي عمر الإسلام وخير الكلام ما قل ودل ..

يروى أنه بعد أن تقلّد الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان مقاليد الحكم، وبويع له بالخلافة واستتب له الأمر، أشاح بنظره إلى الروم، وأمر أن تُستأنف الفتوحات بعد توقفها لسنوات بسبب الفتنة، بل وجهز جيشًا أراد به غزو القسطنطينية معقل النصرانية الشرقية ليفتحها، وأمّر عليه ابنه يزيد، وهو أول جيش في الإسلام يغزو القسطنطينية، وكان في الجيش عددٌ من الصحابة وأجلّاء التابعين، ومنهم الصحابي أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي استضاف النبي صلى الله عليه وسلم في بيته عندما هاجر إلى المدينة، ريثما يُبنى المسجد وتبنى حجراته .. وفي أحد أيام الحصار حضرت أبا أيوب الوفاة، وأمر أن يدفن بالمكان الذي يموت فيه؛ أي بجوار أسوار القسطنطينية ! .. فلما مات أمر يزيد بتكفينه، وحُمِل على سريره، فجعل القيصر يرى من بعيد سريراً يُحمل والناس يقتتلون..! 

فأرسل إلى يزيد: ما هذا الذي أرى؟. 

فأجابه: صاحب نبينا، وقد سألنا أن نقدّمه في بلادك، ونحن منفذون وصيته أو تلحق أرواحنا بالله ..

فأرسل إليه القيصر ساخراً: العجب كل العجب! كيف يُدهّي الناس أباك وهو يرسلك فتعمد إلى صاحب نبيك فتدفنه في بلادنا، فإذا ولّيت أخرجناه إلى الكلاب..؟!

فقال يزيد بمنتهى الحزم والشدة: إني والله ما أردت أن أودعه بلادكم حتى أودع كلامي آذانكم، فإنك كافر بالذي أكرمت هذا له، ولئن بلغني أنه نُبش من قبره، أو مُثّل به؛ لا تركت بأرض العرب نصرانياً إلا قتلته، ولا كنيسة إلا هدمتها..!!!!

فبعث إليه القيصر معتذراً: أبوك كان أعلم بك، فوحقّ المسيح لأحفظنّه بيدي.

ولا زال قبر أبي أيوب الأنصاري في إسطنبول محفوظًا حتى يومنا هذا، لم يُمسس بسوء طيلة 1400 سنة، وبغض النظر هل عنى يزيد وعيده لقيصر أم لا؛ إلا أن الموقف الحازم والجواب القاطع كفيلٌ بزرع هيبتك في قلب عدوّك، ولم يكن يزيد ذا دين وورع، ورغم ذلك تحركت بداخله حمية الإسلام وعزته، وهذه حسنة ليزيد في بحر سيئاته .. وليت شعري متى تتحرك حمية الإسلام في نفوس المثبطين والمرجفين من حولنا وكتابنا يُهان..!؟

بعد هذا الموقف بقرون، وقد تداعت أمم الكفر على بلاد المسلمين ومزقتها كل ممزق، وتحديداً في عام 1890م حيث خلافة الإسلام تلفظ أنفاسها الأخيرة في حياة الرجل المريض؛ توصلت المخابرات العثمانية إلى معلومات مفادها أن فرنسا وعدد من الدول الأوربية تعتزم تصوير النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مسارحها ونيله بالسخرية والإهانة.! فاستشاط السلطان عبدالحميد الثاني وقتئذٍ غضباً .. 

السلطان عبدالحميد الثاني

وسأنقل لكم النص من كتاب (ذكريات السلطان عبدالحميد الثاني) للكاتب التركي مراد دومان حاكياً ومعلقاً على هذا الحادثة فيقول:

"كان السلطان عبد الحميد يُكن حباً واحترامًا كبيرين للنبي محمد، فخلال سنوات حكمه كان يهبّ على الفور لمنع أية إيماءة - حتى ولو كانت صغيرة تسيء إلى النبي أو إلى الإسلام في الأعمال المسرحية التي تُعرضُ على مسارح أوروبا، فلم يكن يتخاذل أبدًا في هذا الشأن ... فعلى سبيل المثال كتب الكاتب الفرنسي "مارك دي بورنير (Markide Bornier)" عملاً درامياً يحمل اسم "محمد"، وأقنع المسرح الحكومي الفرنسي بضمّه إلى قائمة عروضه المسرحية، وكانت هذه المسرحية التي بدأ الإعداد لها والتدريب عليها على خشبة المسرح في باريس تحوي مغالطات ومشاهد ضد الدين الإسلامي والنبي محمد، وما إن علم السلطان عبدالحميد بأن هذه المسرحية المشينة ستعرض على خشبة المسرح حتى انتفض كالأسد الرّئبَالِ مُسَخّرًا كافة الإمكانات الدبلوماسية؛ وأرسل تحذيرًا شديد اللهجة إلى فرنسا ذكر فيه:

>>إذا قمتم بعرض هذه المسرحية التي تقدح في رسول الله ﷺ فسأستخدم صلاحيات الخليفة التي أتمتع بها، وسأُحَرِّضُ الهند وبلاد العرب وكل العالم الإسلامي ضدكم!><

وبالفعل نجح السلطان عبدالحميد بمنع هذه المسرحية من أن تعرض في فرنسا، وبالرغم من تلك الانتفاضة لسلطان الدولة العثمانية التي كانت تُشبه الأسد الجريح، تُرى هل كان هناك شعور في العالم الإسلامي آنذاك بأن الخليفة سيتمكن من القيام بهذا الأمر؟! آه، ليت هذا الشعور كان موجودًا؛ فعلى الرغم من وضع الدولة العثمانية آنذاك إلَّا أنَّ زئير الأسد المريض هذا أحدَثَ دَوِيًّا هائلاً في فرنسا ولم يتجرأ الفرنسيون على عرض تلك المسرحية، وعندما شاع هذا الحدث في أرجاء العالم الإسلامي بدأت رسائل التهنئة والشكر تنهال على الخليفة من سائر بقاع العالم الإسلامي وخاصة من مسلمي الهند، وإثر هذا المنع قام مارك دي بورنير بعدة محاولات أخرى لعرض تلك المسرحية في إنجلترا لكن السلطان عبدالحميد كان له بالمرصاد، ووقف أمام محاولاته هذه أيضاً كالجبل الأشم الشامخ ... وبناءً عليه لم تُعرض هذه المسرحية في إنجلترا أيضاً، ونتيجة لتلك المواقف ارتفعت مكانة مقام الخلافة لدى المسلمين حباً ولدى غيرهم رهبة ورعباً." اه

 



آه؛ ليت زمان الخلافة يعود..!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملحمة بليفنا .. وصمود الأبطال

القاتل الوسيم .. ورسالة للآباء !

يا أسوياء العالم اتحدوا..!