ليتنا كـسعد بن ناشب

 

ليتنا كـسعد بن ناشب

 

جميعنا لديه أهداف وأمنيات يسعى لتحقيقها، ولا تتحقق إلا بعزمٍ جاد وعملٍ شاق، فمنا من يُقدم عليها مستعينًا بالله، ومنا من ينتظر"الظروف المواتية"، وكأنه قد أخذ من الدهر ميثاقًا أن لا يسوؤه بصروفه، ولا يخذله بخطوبه، فيضيع بذلك عمره بحثًا عن "نقطة البداية المناسبة والموعودة" التي لن تأتي، ولم يعرف المسكين أن نقطة البداية هذه لن تأتيه طواعية، بل عليها صنعها بنفسه، فالحياة لا تُنال إلا بالجرأة والإقدام، والرياسة تأتي بالمكابدة، والمعالي لن تُرقى إلا بسلم سهر الليالي واحمرار المحاجر، فاللذة يفوز بها الجسور .. وإن لم تسمع نصيحتي فابكي على نفسك واقعد في قعر بيتك كالمخدرات ..

 

إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى

ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه؟

 

من رام أمراً بعيداً أقدم عليه كيفما هو، لا أن ينتظره ليستقيم، فهذا لعمري من مداخل الشيطان، يمهله ويمنيه ويطيل أمله حتى يتخطفه الأجل أو تخور عزيمته، وعند الصباح يقول يا ليت..!

إن الإقدام على عِوج خير من الجبن والانتظار، فلا منزلة بين المنزلتين؛ (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)، وقطع خط الرجعة والعزم على اللاعودة هو العلاج الأول لخور العزيمة .. فلطالما كان هاجس التقهقر والرجوع إلى منطقة الأمان يطارد من يسعى لهدفٍ في تحقيقه شيءٌ من تعب أو مخاطرة..!

والأجدى لمن هذا حاله أن يتصف بشيء مما وصف به سعد بن ناشب نفسه، وقد كان يذكر طرفًا من مناقبه .. يقول متحدثاً عن نفسه:

 

إِذا هَمَّ لم تُرْدَعْ عَزيمَةُ هَمِّهِ

ولَمْ يَأْتِ ما يَأْتِي منَ الأَمْرِ هائِباً

 

أَخا غَمَرَاتٍ لا يُريدُ عَلى الَّتِي

يَهُمُّ بها من مُفِظعِ الأَمْرِ صاحِباً

 

إِذا هَمَّ أَلَقَى بَيْنَ عَيْنَيْه عَزْمَهُ

ونَكَّبَ عن ذِكْر العَواقبَ جانِباً

 

ولم يَسْتَشِرْ في رَأْيِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ

ولم يَرْضَ إِلا قائِمَ السَّيْفِ صاحِباً

 

وإن أنت لم ترغم النفس أرغمتك، وإن لم تمتطيها امتطك، وإن لم تحملها على الشجاعة في موطن الخناعة؛ لتقرعنّ بعدها سن نادمِ، فالحياة لن تصفوا إلا لجاهلٍ أو غافل، وأنت لست إلا جباناً طموحًا، ترجو المعالي وتخشى المصاعب، فلا عيشٌ صافٍ، ولا رفعة تُغتبط عليها..!

 

وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ

إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ

 

هذه نصيحة محبّ، وإن لم تزد في الحياة شيئًا كنت أنت زائدًا عليها، فاعتبروا يا أولي الأبصار.