العرب واختلال عقائدهم وفشو الذلة فيهم
خاطرة:
العرب واختلال عقائدهم وفشو الذلة فيهم
أفكّر خالياً؛ ما الذي يجعل المرء منا يتلذّذ بتبعيته وخضوعه لإنسانٍ
مثله، وقد كان آباؤنا العرب قديماً أنفر الناس عن الخضوع وأصعبهم انقياداً وأشرسهم
اعتداداً، ولا يجمعهم إلا نبي مؤيد، فكيف صار كثيرٌ منهم اليوم أطوع الخلق للخلق وأذل
الخلق للخلق ؟!
إن المتأمل في حال الشيعة وما هم عليه من تأليهٍ لآل بيت النبي صلى
الله عليه وسلم ورفعهم فوق منزلتهم التي وهبهم الله إياها، والمتأمل في حال
الصوفية وعبوديتهم لأوليائهم = ليتعجّب أيما عجب حين يتذكّر أنهم والعرب القدماء
سلالة واحدة بعضها من بعض..!
لو كان ابن خلدون "جلّاد العرب" موجوداً في أيامنا لِيرى ما
وصل إليه حال العرب من الذلة والخنوع والعبودية؛ لَتراجع عن كثيرٍ من أقواله وأحكامه
الجارحة في حقهم، فلم يعودوا كما كانوا في نظره ذوي همم وطامحين للسلطة والزعامة،
أو نافرين من التبعية، أو متوحشين في عيشهم وتعاملهم؛ فقد انقلب حالهم، وتبدل
أمرهم، وسبحان من خلق هؤلاء وخلق أبناءهم..!
وارتبط هذا الانحدار بخلل العقيدة عند الناس وغبشها، واستغلال لحى السوء
وعمائم الدجل لهذا الضعف بتوجيه الناس لمرادهم، والتسلّط عليهم، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية
بينهم، واللعب على أوتار العواطف الدينية الجياشة، والاستفادة من الواقع -وأعني
هنا سوء الأحوال المعيشية للناس في أغلب دول العالم الإسلامي- وذلك من خلال تصوير الشخوص
المراد تقديسها بأنها هي العلاج لما يعانيه كل فرد من الناس، وإضفاء نوع من الهالة
الإلهية عليهم لتحقير نظرة العوام لأنفسهم عند ذكر تلك الشخوص فيزدادوا ضراعة ومهانة
.. وكل من قام على هذه العقيدة الفاسدة أو كان من سدنتها أو من ذرية تلك الشخوص فبالطبع
سيناله نصيبه في الدنيا من المال والمكانة.
فيا لها من مناظر مقيتة تراها في بلادنا من الشيعة والصوفية تفطر القلب على عقيدتنا وعلى عروبتنا وكرامتنا وعزتنا، ولو انتقلت منها إلى بلاد المسلمين الأعاجم لِترى ما يصنعون؛ لعظم الخطب عليك..!
وما أقبحها من حياة تلك التي يكون الموت ألذّ منها..!
تصور ذلك الشيعي وما يفعله من لطم وحزن وزحفٍ وبكاء وتباكٍ ودعاء
وخنوعٍ لعبدٍ مثله، أو ما يفعله زنادقة المتصوفة وهم يقبّلون أقدام "أوليائهم
المزعومين" ويغسلونها ويتبرّكون ببصاقهم!، وذلك المفتون المركوب الذي يقبل
على نفسه الخضوع المطلق لسلالة واحدة بإمر إلهي مفترى؛ تحكمه حكم السيد للعبد
والسائس للدابة حتى تقوم الساعة..!، لعمري لقد طابت حينئذٍ منادمة المنايا.
ذاك يستغيث بـ علي بن أبي طالب، وتلك تحلف بالعباس وفاطمة، وهذا يطلب
المدد من السيد الهاشمي في بلده والهالك من سنين طويلة، وذاك ينادي الرفاعي والبدوي
وهذا يدعو الحداد والمحضار وتلك تتوسل بالسيدة نفيسة، وهم في ندائهم لهم خالصو
النية حاضرو القلب، دموعهم تجري رغبةً ورهبة .. رغبةً في لقائهم وتعلقاً بهم وذلاً
لهم وأملاً واعتقادًا بما لهم، ورهبةً من بغضهم عند الصوفية المتشبعين بالأحاديث
الموضوعة والخرافات المزعومة، ورهبةً عند الشيعة من خذلان الحسين وفاطمة قبل ألف
سنة..!
ولو جعلوا هذا الإخلاص وهذه النية الصادقة وهذا القلب الحاضر في
دعائهم لربهم جل جلاله لنالوا مرادهم وحازوا رضاه وازدادوا رفعةً يوم القيامة، وقد
قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تلك الكلمة الشهيرة في طواغيت
الشيعة والصوفية؛ أن مشركي زماننا أشر وأخبث من مشركي العرب قديماً، فمشركي زمانا
يدعون غير الله في السراء ويزدادون لهم ابتهالاً وإصراراً في الضراء، أما مشركي
العرب قديماً يكفرون بالله في السراء ويخلصون الدعاء له جل جلاله في الضراء، وقد
قال الله تعالى عنهم (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا
إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ
كَفُورًا) سورة الإسراء – آية 67.
إن هذه وغيرها صورٌ لا يرضى عنها الله ولا رسوله، وليست من دين الله
في شيء ..
لن أحاججهم بـ (قال الله وقال الرسول) لأفنّد ضلالاتهم وشبهات
طواغيتهم، لكني أخاطب العقل الذي غُيّب، والكرامة التي هُجرت، والهمة التي فُقدت؛ أين
عزة المسلم وكرامته؟، أين شكيمة العربي وشراسته ؟
بربك لو كان الإسلام حقيقةً هو ما يفعل هؤلاء الأذلّاء الحقراء؛ أكان
الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يقبلون هذا الدين ويدخلون فيه أفواجاً..؟!
كان الإسلام رغم عدله وسماحته وعزته صعب القبول في نفوس كثيرٍ من العرب
قديماً لئلا ينقادوا لقريش، وكان للقرشيين أنفسهم صعباً أيضاً لنفور نفوسهم عن
الانقياد لبني هاشم، أفإن كان به فوق ذلك تأليهٌ لنفرٍ من الناس كيف سيؤمن به العرب
وقتئذٍ..!
أذكر كلمة قالها أبو جهل وهو من بني مخزوم؛ أنه وقومه نافسوا بني هاشم
في السقاية والرفادة والكرم والحرب والسلم وكل شيء، كانوا كفرسي رهان، والآن ادّعى
بنو هاشم أن فيهم نبي، فكيف سينافسوهم في هذه..؟!
وهذا الذي منع أبا جهل من الإسلام رغم يقينه الداخلي بصدق النبي صلى
الله عليه وسلم، منعه الكبر الفطري في نفوس البشر عموماً والعرب خصوصاً، وكأنه قال
هذه الجملة تبريراً لنفسه وتسكيناً لضميره.
ومثال ذلك ما قاله الفاجر الآخر من أتباع مسيلمة الكذاب وقد أيقن أن
ماهو عليه باطل: "كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر" ، فمسيلمة من قبائل
ربيعة والنبي عليه الصلاة والسلام من مضر، وهما فرعان منفصلان ..
فلو كان الدين يحمل فوق ماهو
عليه؛ الخنوع لهذا البيت والانقياد لهم والذلة بين أيديهم، والفضل الديني الأخروي الخاص
لهم دون النظر في أعمالهم؛ لما فكّر فيه العرب حتى مجرد تفكير فضلاً عن أن يدخلوا
فيه.
لك أن تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة في قريش عامّة،
فوجد الأنصار وهم المؤمنون الخُلّص في أنفسهم بعد ذلك يوم أن أرادوا مبايعة سيدهم
سعد بن عبادة خليفة على المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أنهم
أنصار الله ورسوله وعسكره وأصحاب مدينته، لكن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أخبراهم
أن العرب لن تقبل بهم، ولن يقبلوا إلا بقريش التي يكنّون لها شيئاً من الاحترام
لما لها من الشرف القديم في رعاية الحرم، مع ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن
الخلافة فيهم، وأن الأنصار وزراء لا أمراء، فانظر كيف وجد الأنصار الكرام منها..!،
فكيف لو كان الدين من أساسه قائمٌ على عبودية هؤلاء النفر من هذا البيت؟ فما بالك
ببقية القبائل البعيدة عن المدينة أو الأعراب الأجلاف ؟!.
قليلٌ من التفكير يا قوم .. قليلٌ من الكرامة !!
إننا سامعون مطيعون إن شاء الله لأمر نبينا بأن الخلافة العظمى منحصرة
في قريش والناس تبعٌ لهم، آمنا به رسولاً فنطيعه فيما يأمر، والأجر والمعونة من
الله، وإننا لنحب آل بيته صلى الله عليه وسلم، ونقدرهم ونجلّهم لوصيته لنا وتذكيره
بهم، ولما لهم من قرابة ولما هم عليه من صلاح ابتداءً، فمن كان عن الصلاح بعيداً
وعن الاستقامة ضالاً؛ فلا تقدير له ولا محبة ولا كرامة، فهذا أبو طالب وهذا أبو
لهب وغيرهم أقارب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن النار مثواهم خالدين فيها، فلا
محاباة عند الله ولا تمييز في الإسلام ولا نسب، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه،
ولا زالت سورة "المسد" تُقرأ منذ فجر الإسلام، شاهدةً بذم أبي لهب وتبّه؛
حتى يرث الله الأرض ومن عليها، يقرؤها بنوه وأحفاده أقاربه فيسلّموا بها، والله
يحكم لا معقب لحكمه، وكفى به حكماً عادلاً.
عبدالله بن علي الحماطي
تعليقات
إرسال تعليق