102 عام على مذبحة قافلة الحجاج اليمانية

 

ذكرى مذبحة 3 آلاف حاج يمني
وقصة مقولة (أنا الحاضري والحاضر الله)

في ظهر ذلك اليوم الدموي؛ الأحد 01-07-1923م أنهى معظم حجاج القافلة اليمانية الضخمة التي ضمت 3500 حاج؛ غداءهم، وبدؤوا في شد قِربهم وأوعيتهم على رواحلهم، واستمر البقية في أكل وذهب بعضهم ليجلب لنفسه وأهله الماء من العيون القريبة، وكانت القافلة الألفية لعِظم حجمها تسير على ثلاث مجموعات متراصة تبعد كل واحدة منها عن الأخرى بضعة كيلو مترات فقط، مجموعة أناخت في منطقة سدوان الأعلى، وأخرى في سدوان الأسفل (أرض بني الأسمر)، وفيها أمير القافلة اليمانية الحاج محمد بن عبدالله شرف الدين، والمجموعة الكبرى أناخت في تنومة (أرض بني شهر) بما يبعد عن أبها قرابة 125 كلم، وذلك للراحة قبل إكمال المسير إلى بيت الله الحرام استجابة لأمر الله ولنداء إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.

وفي ذلك الوقت الذي انشرحت فيه النفوس بلذة الشبع، وارتفعت فيه المعنويات بعد الراحة؛ إذ بالعساكر تحيط بالقافلة من كل مكان..!  

الفرسان والهجّانة من أعلى الوادي، والمشاة من أسفله، شاهرو بنادقهم في وجوه الحجيج..!

فزع الحجيج فقاموا مشدوهين، وكادت اللقمة أن تقف في حلق من لا يزال يأكل..!

وقبل أن يأتي الخبر لأمير الحجاج ليتدخل ويستعلم منهم الأمر ويوضح للعساكر ما استشكل عليهم وإذ بصيحات العساكر تتعالى وقد هجموا جميعاً على الحجاج .. المشاة وفرسان الخيول والجمال .. وابتدؤوا بإطلاق النار من بنادقهم على الحجاج العزّل من كل مكان ..

"وبمجرج شـعور الحجـاج ببـدء الهجـوم انطلقـت حنـاجرهم بالتكبير والتهليل وتلاوة الآيات، لكـن ذلـك لم يـزد القتلـة إلا جرأة على القتل"

امتلأت صدور الحجاج ورؤوسهم بالرصاص وتساقطوا تباعاً صفاً بعد صف والدائرة تصغر شيئاً فشيئاً..!

عمّت الفوضى المكان تماماً وهاج اليمانيون .. وكيف لا والموت محيطٌ بهم !

استطاع عدد منهم أن يفرّوا قبل أن تضيق الدائرة عليهم ويطبق عليهم العسكر تماماً لإبادتهم، ومنهم ما ذكر عن "الشهيد صالح بن علي الحيي، من قرية الهجرة، جبـل بنـي جبر، وكان معه ولده صالح بن صالح، فـأمره والـده الـشهيد بأن ينجو بنفسه مع الجمـل قبـل وصـول القتلـة، ثـم قاتـل الشهيد حتى استُشهد، وقـد رآه أحـد رفاقـه مـن بنـي شـداد حين استُشْهد" ..

كان الحجاج مجردون من السلاح تماماً إلا من الجنابي (الخناجر اليمنية)، إلا نفراً يسيراً ممن كان يحمل فرداً معه (المسدس الصغير)، وكان من بينهم أيضاً النقيب محمد قايد الهجّام، ضابط في الجيش المتوكلي اليمني، استأذن الإمام يحيى بأن يذهب للحج في هذه السنة فأذن له وأمره بأخذ بندقيته وزوّده ببعض الرصاص ليكون حارساً للقافلة من قطاع الطرق أو حكماً داخلياً إن نشب بين أفراد القافلة أمرٌ ما .. فحفر النقيب محمد الهجّام لنفسه مترساً وجهّز سلاحه وبدأ يصطاد القتلة اصطياداً برصاص بندقيته ..

كانت البنادق في ذلك الوقت ليست كالكلاشنكوف الحديث الذي يمطر الخصم بالرصاص دون توقف، وإنما تحتاج لدفع الكابس وسحبه بعد كل طلقة، العملية التي تستغرق ثانيتين، مما أعطى الحجاج المقاتلين بالخناجر الأمل في الانقضاض على القاتل الذي أطلق طلقته، فاستطاعوا المقاومة قبل موتهم وقتل عدد من القتلة، ومن هؤلاء الأبطال اليمانيين مثلاً "عـلي بـن أحمـد بـن عـلي بـن أحمـد القـاضي أبـو طالب، من الـسادة آل أبي طالـب، سـاكني مدينـة الروضـة، بني الحارث ... وكـان الـشهيد رجـلا ضـخماً، وقويـا أيّداً، آتاه الله بسطة من الجسم والقوة، فكان يرفـع الحمار مع حمولته من العنب، وكان يحـرك الـصخرة التـي لا يقـوى عليها إلا العصبة من الرجال، وفي المجزرة طاعن بجنبيتـه أولئك المعتدين من أهل نجد، فجندل بها مجموعة منهم" قبل مقتله.

 

استحرّ القتل في اليمانيين بشكلٍ رهيب، مما يثير الاستغراب في نفس السامع والقارئ لأحداث تلك المجزرة، والذي يزيل الاستشكال "ما ذكره القاضي الأرياني رئيس اليمن السابق عن أبيه حاكياً عن جده القتيل في هذه القافلة أن صيحات العساكر المعتدين يومئذٍ كانت:

اقتلوا المشرك..!!!

اقتلوا المشرك..!!!"

تلك الصيحات التي أطلقوها مع هجومهم ليشحذوا بها هممهم، وليقسّوا بها قلوبهم .. وليتهم تعلموا الحكم الشرعي قبل فعلتهم هذه، وليتهم تفطنوا لما يجري حولهم بدل أن يكونوا بلهاء لا عقل لهم، لكن حمقهم لم يكن له حدود عاملهم الله بعدله ..

كيف لم يفرّقوا بين كبيرٍ في القافلة وصغير، أو بين رجلٍ وامرأة، أو بين عالم و عامي أمّي ..

كيف حكموا على الجميع بالقتل..؟!

ألم يكن من الأجدى أسر الجميع وهم الحجاج العزّل عن السلاح؛ ثم فرزهم؟ كيف يُساوى بين الفقيه الزيدي المعتزلي الخبيث الذي عرف آيات الله ثم أنكرها وجادل بالباطل، وبين الفلاح المزارع الأمّي الذي ليس له في العير ولا في النفير؟ ثم ماذا عن النساء والأطفال؟ في أي شرعٍ كان هذا؟ هل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال ونساء بين قريظة يوم أباد رجالهم لخيانتهم..؟

سوّد الله وجيههم على ظلمهم وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

 

ومن الصور المؤلمة ذلك اليوم ما روي عن الشهيد صالح علي سعيد أحمد النصرة، ذلك الشاب الصنعاني الثلاثيني، الذي كان قد ذهب لجلب الماء وقت الغداء، وعند عودته سمع طلقات النار فركض لمكان أبيه الشهيد علي سعيد أحمد النصرة والذي كان عمره في الستينات يعمل طبيب أسنان على الطريقة القديمة، ومعه صديقهم الثالث الشهيد علي مدينة .. ولما رأى العجوز المذعور من دوي الرصاص وصرخات القتلى حوله = ولده صالح يركض نحوه صاح به مستنجداً: ولدي صالح..! يا ولدي..!

أسرع صالح إليه وما هي إلا دقائق حتى استشهد أبوه العجوز بجانبه، فرفض صالح الفرار وقرر الموت على ما مات عليه والده، فقاوم بجنبيته وعزمه حتى قُتِل أيضاً .. الجدير بالذكر أن قضية الشيخ علي النصرة وابنه كانت معلقة في محكمة صنعاء، فقد اختلف الورثة في كيفية التقسيم، أيكون الأب والابن (وكان لديه أطفال) ماتا سوياً، أم أن أحدهم سبق الآخر؟ ففي كل حالة سيختلف تقسيم التركة، ورفع الأمر إلى إمام اليمن يحيى حميد الدين حول ميراث الشهيد صالح من أبيه الشهيد، فأفتى لهم بناء على شهادة رفيقهم الرابع الحاج علي حسن سعد الذي استطاع النجاة وحكى ما رآه بتفصيله.

ومن مشاهد البطولة التي أثرت فيني حتى خانتني عَبرتي هو ما فعله الفدائي "الشهيد محمد مصلح الوشـاح، مـن أهـالي مدينـة صـنعاء، استشْهد وعمره حوالي ٥٨ سنة، وكان الشهيد قد نفَّذ عمليـة بطوليـة فدائيـة، تنبـئ عن أصالة اليمني الكريم الذي يضع روحه في خدمـة أرواح الآخرين، فقد تكفل هو ورفيق له بإعاقة تقدم المعتدين عـلى الحجاج ومشاغلتهم؛ ليتمكن ولو بعض الحجاج مـن النجـاة، وقاما بذلك حتى استشهدا رحمة الـلـه عليهما"

فيا لله كم لصعوبة هذا الأمر على النفس، أن تتذكر إخوتك في ساعة الفوضى والدماء، أن تبذل الروح رخيصة في سبيل نجاة أرواح أخرى .. فماهي الحياة إلا لذة العبادة ولذة العطاء؟ وما أعظم العطاء إلا بذل المهج..؟

نعود للنقيب محمد علي قايد الهجّام الذي ذكرنا تمترسه في موقع مناسب، فقد قاتل ببندقيته حتى نفدت ذخيرته، وَقتل منهم الكثير، ثم أقسم أنهم لن يغنموا منه بندقيته، فكسرها وأتلفها، ثم شهر خنجره اليماني وقفز من مترسه يقاتل بجنبيته حتى قُتل ..

وكان للنقيب الهجام عبدٌ سافر معه ليخدمه، ومع هجوم القتلة وطلقات الرصاص كان العبد قد اختفى في شجرة تسلَّقها، فنجا بذلك من القتل، ثم عاد وأخبر الإمام يحيى ببطولة سيده النقيب الهجّام، فردّ عليه الإمام يحيى متأثراً: "دخل الهجّامُ الجنَّةَ بالصَّميل" (أي بالقوة والعزيمة)، وكان النقيب الهجّام يوم أن استأذن الإمام يحيى بالحج، رد على استفسار الإمام يحيى بشيء من المزاح قائلاً بلهجته: "عندخل الجنة بالصميل"، فتمنى للهجّام ما تمناه لنفسه.

قائلٌ يقول ..

أخبرنا عن النساء والأطفال؟ هل من تفاصيل عنهم ؟  

أقول له مع كامل الأسف أنهم قتلوا أيضاً ولم يكن لهم أي استثناء في قلوب القتلة الفجرة ليحميهم، وها أنا أنظر مثلاً في القائمة القصيرة (لم تتجاوز 150 قتيل من أصل 3100 قتيل) التي استطاع الباحثون جمعها عن أسماء القتلى فأرى مثلاً:

" الشهيدة سعدية حسين حسين زقيـل، مـن محـل الجـرواح، صعفان، حراز، محافظة صنعاء، استشهدت مع أخيها، وكـان عمرها ٣٥ عاما"

وغيرها الكثير ممن اختفت أسماؤهم، علماً أن القائمة بالكاد جمعت مئة ونيّفاً من أسماء الشهداء والقتلى، أما البقية فانمحى خبرهم، وما خفي من القصص والأسماء كان أعظم وآلم ..

خذ مثلاً قصة لامرأة أخرى نجت بأعجوبة، وهو ما ذُكِر من خبر الناجي الحاج صالح سراج، من جبل عيان، مديرية حجة، نجا من المذبحة بعد رمى نفسه في دماء القتلى وتظاهر بالموت بين الجثث، واستطاع النجاة آخر الأمر ووجد أيضاً امرأة خائفة متخفية فأخذها معه ونجا بها، وردها إلى أهلها سالمة في قبائل خولان الطيال، فحكت لهم المرأة شهامة صالح وحمايته لها حتى أوصلها إليهم، ﻓﺄﻛﺮﻣﻮه قبيلتها ورفعوه وأﻋﺰوا ﺟﺎﻧﺒﻪ.

وغيرها وغيرها وغيرها من آلام النفس الجريحة وفواطر القلوب الدميّة ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

قُدّرت أعداد القتلى بأكثر من 3100 حاج يماني، ونجا أقل من 500 حاج فقط بأعجوبة إما بالاختباء والاستلقاء بين الجثث وتحتها، وإما أن يكون الحاج من مجموعتي سدوان الأعلى والأسفل فيكون قد فرّ قبل أن تُطبق عليه الدائرة تماماً، وكان القتلة يجهزون على من رأوه أو أحسوا أن قد بقي فيه رمق بعد ذلك، ولك أن تتخيل أنهم فصلوا رؤوس 900 حاج عن أجسادهم إمعاناً في الرعب والذبح وترجمة عما في صدورهم من غل.

وكان من الناجين أمير القافلة محمد بن عبدالله شرف الدين الذي قرر هو ومعه 150 حاج أن يكملوا سيرهم للمشاعر المقدسة، بينما قرر بقية الناجين الرجوع بجراحهم ومصابهم إلى اليمن آملين أجر الحج بنياتهم التي كسرها رصاص الغدر ..

استمر الأمير محمد بن عبدالله شرف الدين ومن معه بالفرار إلى الأمام حتى وصلوا مدينة بارق في تهامة التي تتبع لحكم الأشراف في الحجاز، وما أن رأى الشريف راجح -والي بارق- حال الحجاج اليمانيين وما دهاهم حتى أبرق من فوره إلى أميره الشريف حسين بمكة يعلمه بالمصيبة.  

 

كان المجرمون الفجرة هم كتائب هجرة الغُطغُط النجدية المتطرفة وعلى رأسهم زعيمهم سلطان بن بجاد العتيبي، والذين شُرّدوا وانتهوا بعد ذلك بسنوات ..

تعددت أسباب المذبحة، فما بين سياسي وديني إلى طمع وتمرد ..

وذهبت دماء الشهداء والقتلى هباءً ولم يقتصّ أحدٌ لهم وعند الله تجتمع الخصوم ..

حمّل عدد من اليمانيين المسؤولية للملك عبدالعزيز، والذي بدوره برّأ نفسه منها تماماً وأنكر أي صلة له بها، لكن إنكاره لم يجد له قبول إلا عند إمام اليمن نفسه يحيى بن محمد حميد الدين وطالبه الأخير بالاقتصاص من القَتَلة ..

كانت هذه المجزرة أحد الأسباب الرئيسية للحرب السعودية اليمنية عام 1934م التي انتهت بانتصار الجيش اليمني على جبهة نجران نسبياً واحتلالها، وانتصار الجيش السعودي في جبهة الساحل واكتساح جيش الأمير فيصل (الذي أصبح ملكاً بعد ذلك) للجيش اليمني واحتلاله الحديدة ثم زحفه لصنعاء، ورغم أن ولي العهد اليمني أحمد ابن الإمام يحيى أراد تسليح القبائل لحرب الجيش السعودي وحصاره داخل اليمن وقطع طرق الإمداد له إلا أن الإمام يحيى رفض اقتراح ابنه بشكل صارم وفضّل إيقاف الحرب والتفاوض على تسليح القبائل بالمدافع والأسلحة الثقيلة، فلم يكن الإمام يحيى يأمن أن لا تنقلب عليها القبائل بعد انتهاء الحرب .. والجدير بالذكر أن الجيش اليمني تأسس رسمياً عام 1919م، فقبل ذلك كان أئمة اليمن إن دخلوا حرباً أرسلوا إلى زعماء القبائل ليمدّونهم بالرجال، وقد تدربت كتائب الجيش اليمني الجديد على أيدي ضباط عثمانيين بقوا في اليمن بعد استسلامهم في الحرب العالمية الأولى، وعلى أيدي ضباط آخرين من مصر والأردن والعراق .. الأمر الذي خلق صدامات تكتيكية مستمرة بين قيادات الجيش، فكل قائد أراد تطبيق ما تعلمه من تكتيك من الضابط الذي علمه، فهذا دربه عثماني وهذا دربه أردني وذاك مصري وذاك عراقي، فلم تستقر الأمور إطلاقاً في غرفة القيادة، والذي زاد الطين بله أن الإمام يحيى كان يولّي قيادة الجيش لقادة غير عسكريين، وإنما أمراء موالون له، لأنه خشي أن ينقلب عليه العسكريون بعد ذلك، فحدث صدامات بين الأمراء والضباط بشكل مستمر أيضاً .. فلم تُغني للإمام مخازن السلاح في صنعاء وجبال حجة الطافحة بالمدافع الثقيلة والبنادق الذي وصل عددها إلى أكثر من 400 ألف بندقية مما غنمه من الأدارسة والإنجليز والعثمانيين ومما وهبه إياه الإيطاليون في الحبشة = لم تغني عنه شيئاً في الحرب بعد أن اختلف القادة فيما بينهم فانهزم جيشه الذي كان أكثر عدداً وأحسن عتاداً وتجهيزاً من الجيش السعودي.

اتفق الطرفان بوساطة وجهاء الأمة الإسلامية وقتئذٍ كالأمير شكيب أرسلان وأمين جامعة الدول العربية وغيرهم على الاجتماع في الطائف للتوقيع على اتفاقية السلام فيما عرف بعد ذلك بمعاهدة الطائف التي لم تتضمن أي قصاص لقتلى مجزرة تنومة، فامتلأ اليمنيون وذوي القتلى بالحنق والغيظ وعزم بعض منهم على الأخذ بالثأر منه ومحاولة اغتيال الملك عبدالعزيز في الحرم رغم تكراره المتواصل لهم البراءة منها..

"شـعر اليمنيـون عنـدها بالغيظ والحنق والإحباط، ولمسوا خسارة أراض يمنيـة طالمـا أملـوا في عودتها لبلدها الأم؛ لهذا فقد تحـرك الجانـب الـشعبي اليمنـي لأخذ الثأر والقصاص بنفسه، ففي الساعة السابعة والنصف صـباح يـوم الأضـحى ١٠ ذي الحجـة ١٣٥٣هــ/ ١٧ مـارس ١٩٣٥م انـبرى ثلاثة رجال من قرية بيت حاضر السنحانية للاقتصاص مـن الملك عبدالعزيز حين كان يطوف طواف الإفاضة في الحرم المكي، أولئك الفدائيون الثلاثة هم مـن أسرة بيـت الهجـام مـن بيـت حاضر في سنحان"

وهم أقارب القائد في الجيش المتوكلي النقيب محمد قايد الهجام الذي كان حاجاً في حملة تنومة وقتل فيها ..

وأقرباؤه الثلاثة هم:

1- النقيب في الجيش المتوكلي علي بن علي حزام الهجام

2- صالح بن علي الهجام ("شقيق الضابط علي قـدم إلى الـيمن بعـد أن كـان مغتربـاً في جيبوتي لسنوات، ثم التقى بأخيه، وكان الإصرار منه على أخيـه الضابط علي بالعزم إلى مكة لأداء فريضة الحج")

3- مبخوت بن مبخوت بن حسين النجار الهجام (ابن عمهم من بيت الهجام)

"روى السيد علي المَرِنـّة أنـه في ذلـك الحـج صـادف أن لقـي أولئك الفدائيين من أهل بيت حاضر، وأنهم قبيل الحادثة طلبوا منه الانضمام إليهم، فقالوا لـه:  يا ابـن الجـدّين، اليـوم يـوم النقاء (أي الثأر)، وكانوا قد أصروا على النزول لطواف الإفاضة بعد رمي الجمرة مباشرة لعلهـم يجـدون ابـن سـعود، فيقتـصون منـه، وبالفعل فإنهم ما إن رأوه يطوف حول الحرم، وكـان خلفـه ابنـه سعود وحرسه، حتى هجم أولهم، ولعله النقيـب صـالح بـن عـلي الهجام قـائلاً: أنـا الحـاضري والحـاضر الـلــه ، وأخـرج جنبيتـهُ الحادة وهي تلمع وهجم على ابن سعود، ثـم لحـق بـه الآخـران، غير أن سعود بن عبدالعزيز كان قد اتقـى الطعنـات نيابـة عـن أبيه، وبحسب الرواية السعودية فقـد أصـيب ولي العهـد سـعود بطعنة في كتفه، وأفـادت مقتـل شرطـي يـدعى أحمـد العـسيري طعناً، ومقتل شرطي آخر طعناً أيضاً، ويدعى مجدوع بن هيثان.

ويقـول بيـان الخارجيـة الـسعودية: إن المهـاجم الأول "كـان منتضياً خنجره، وهو يصيح بصوت مرتفع، وبكلام غير مفهـوم"، ولعل السعوديين لم يفهموا تلك العبارة التي طـارت في الآفاق، والتي أطلقها البطل السنحاني إذ قال: (أنـا الحـاضري والحاضر الله) ويبدو أن الفدائي أطلق أيضاً عبـارات أخـرى، وصفها الزركلي في سياق كلامه عن الحادثة بقوله: "فلما كـان (عبدالعزيز) عند باب الكعبة برز رجـل مـن فجـوة في شمالي حجر إسماعيل يماني البزة وقد سل خنجـراً، وصـاح صـيحات منكرة فيها تهديد ووعيد وسباب وقفز منقضا على الملـك مـن ورائه"، وذكر أن سعود ألقى نفسه على أبيه يقيه الطعـن، وأنـه دفع المهاجم بيده، وأن حراس الملك أردوه قتـيلاً، وكـذلك كـان المهاجم الثالث، غير أن الثالث بقيت له بقيـة حيـاة، قبـل موتــه أو الإجهــاز عليــه ربمـا تحقــق لهــم مــن خلالــه هويــة المهاجم، وسرعان ما تلقى ابن سعود برقية من الإمام يحيـى يستنكر ما حصل، ويتبرأ من الحادثة"

 

الشبان الثلاثة من بيت الهجام بعد قتلهم


ومن القصائد الفصيحة التي قيلت في مجزرة تنومة ما بين هجاء وتهييض على الحرب ورثاء للقتلى قصيدة الحسن بن بن عبدالله الضحياني (ت 1934م):

خبيثـــات مكـــروه نجمـــن بوقتنـــا ** يصيرن طعـم الـشهد في نفـسه مـرّا

وكيف يطيب العيشُ والحـال مـا تـرى ** لمــن يعقــلُ المكــروه والنفــع والــضرا

وسُـــيّار بيـــت الله فُـــرِّق شــملهم ** وحرمتـــه مهتوكـــة جلـــدها يُفْـــرى

ينـــام بنـــا المجـــد الأثيـــلُ ومـــثلكم ** إذا جد يشْفي غـيظ مـن كـان مغـبرّا

فكيف وهذا طعنة في أديمكــم ** ونازلــــة عظمــــى تعمكــــم طُــــرّا

غــدا وافــد البيــت العتيــق مجنــدلاً ** ْ قتــيلاً بــأرض مــا حفَــرتم لــه قــبراً

أكــيلاً لأصـــناف الــسباع وغيرهـــا ** عـــلى غـــرة كـــرت عليـــه إذا كَـــرا

أحاطــت بــه تلــك الجمــوع بأسرهــا ** فقل يا لها مـن وقعـة تقْـصم الظهـرا

وقـل يـا لهـا مـن وقعـة مـا أشـدها ** وأعظمهــا صــدماً وأقبحهــا غــدرا

محاربــــة بيــــت الإلــــه ووفــــده ** ومـن حـارب البيـت العتيـق أتى كُفْـرا

إلى آخرها ...

وأيضاً قصيدة يحيى بن علي الذاري (ت 1956م):

ألا مــن لطــرف فــاض بــالهملان ** بــدمع عــلى الخــدين أحمــر قــان

ومــن لحــشاشات تلظــى ســعيرها ** ومـــن لفـــؤاد جـــاش بالغليـــان

لخطـــبٍ تخـــر الـــشامخات لهولـــه ** أنـــاخ بقـــاص في الـــبلاد وداني

بما كان في (وادي تــنومة) ضـحوةً ** ومــا حــل بالحجــاج في ســدوان

مـن المـارقين النـاكثين عـن الهـدى ** وعـــن ســـنة مـــأثورة وقـــران

أحلـــوهم قـــتلاً وســـلباً وغـــادروا ** جــسومهم صرعــى تــرى بعيــان

تنوشُـهم وحـــشُ الفـــلاة وطيرهـــا ** لعمـــرك تـــسمع بـــذا أذنـــان

.

.

.

رويــدكُم يــا أخبــث النــاس فرقــة ** لحــرب تــشيب الناصــيات عــوان

وضرب ببيض يجـتلي الهـام حـدها ** وطعـن بـسمر في الأكُـف لـدان

بأيـدي بنـي الإســلام كـل مقـذّف ** غيــور لأخــذ الثــأر غير هــدان

فهيــا بنــي الــدين الحنيفــي شــمروا ** سراعــا بــلا ريــب ولا بِتــوان

تنـادوا لأخـذ الثـأر مـن كـل وجهـة **ْ فقــد عظمــت فــيكم جنايــة جــان

أترضــــون في أديــــانكم بدنيـــــة ** أترضـــون في أعراضـــكم بهـــوان

وشـــنوا علـــيهم غـــارة بعـــد غـــارة ** وحـــسوهم قـــتلاً بكـــلِّ مكـــان

وســوقوا إلــيهم فيلقــا بعــد فيلــق ** وكـــلَّ جـــواد ســـابق لرهـــان

وكـــلَّ ســـلاح قـــد أعـــد ومـــدفع ** لإعفــاء شــأفاتٍ وهــدم مبــاني

دعــوتكم مــن كــلِّ قطــر ولم أقــل ** أيــــا لفــــلان لا ويــــا لفُــــلان

هـززت بهـا أعطــاف كـلِّ مجــرب ** مقالـة مـشحوذ الغـرار يماني

ولكننــــي منهــــا أخــــص مؤنبــــا ** أولي أمـركم مـن نـازح ومـداني

(فحجـــــة رب العـــــالمين علـــــيهم ** مؤكَّـــدة مـــا أشرق القمـــران)

فـالنـاس إلا بالـسراة تقـودهم ** لإدراك ثــــاراتٍ ونيــــل أمــــاني

لـــئن نمـــتم عـــن هـــذه وقعـــدتم ** لقـد حيـلَ بين العـير والنــزوان

 

وإلى هنا انتهت قصة مجزرة تنومة، وبقيت أنا وحيداً على أرضية غرفتي متكئاً على سريري أقلّب طرفي لا أرى لي راحةً، إذا البين أنساني ألحّ بي الفكر، فحتى من مات ذلك اليوم من كبار الفقهاء والقضاء الزيدية المعتزلة الذين في موتهم إراحة للمسلمين من كفرهم = فحتى أولئك أجد في صدري غصة تخنقني وحشرجةً أقاومها وتقاومني، أعلم أنها عصبيةً مقيتة وحمية الجاهلية وإنها من ضعف الإيمان غفر الله لنا، لكن القتل الجماعي لليمنيين ذلك اليوم من المسلمين وغيرهم (وهم قلة قليلة) جعل تمييزهم عن خطب ذلك اليوم عسيراً على النفس، فيا ترى كيف كان شعور عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يوم أسلم وهو ينظر لمن قتل أباه وأقرباءه، كيف قاوم شعوره وأخلص في إيمانه واستشهد..؟!

رضي الله عنه ورضي عن الصحابة جميعاً ورحم الله موتى المسلمين

 

 

 

 


---------------------------------------------
الاقتباسات = من المصدر الرئيسي للمقال وهو كتاب مجزرة تنومة الكبرى



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

26 سبتمبر – يوم من أيام الله

ملحمة بليفنا .. وصمود الأبطال