26 سبتمبر – يوم من أيام الله
26 سبتمبر – يوم من أيام الله
الحمدلله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد ..
أكتب مقالي هذا ممتلئاً بالحماس، مفعماً بالعاطفة، مأخوذاً بنشوة
الإنجاز لمعجزة القرن الفائت في بلداننا العربية ..
نعم إنها معجزة كبرى يعجز عن فهم تعقيداتها من لم ينظر لها كخطٍ زمنيٍّ وحوادثٍ متسلسلةٍ متراصةٍ، وسيلٍ من الأفكار والعقائد التي اعتنقتها بالإرهاب والتكرار عقول الشعب اليمني لا إرادياً، ولله در الأمير الصنعاني حين قال:
حكوا باطلاً وانتضَوا صارماً .. وقالوا صدقنا؟ فقلنا نعم!
هكذا انتشرت الزيدية في اليمن على مر السنين!
هناك في أقصى شمال اليمن السياسي الحالي، في مدينة صعدة النائية بأهلها
عن حواضر العالم الإسلامي وصراعاته، كانت الحرب تطحن الناس طحناً، والقحط ينكأ الجراح
عليهم أكثر وأكثر، وكلا المتحاربَين من قبائل خولان الشام اليمانية، فراسل "آل
فطيمة" أحد بطون خولان -وهم أنصار العلويين في صعدة- عام 283هـ أحد الشبّان
العلويين الناقمين على الخلافة العباسية لاستئثارهم بالملك دون أبناء عمومتهم من
العلويين، وهو نفسه؛ بل وأهل بيته جميعاً؛ كانوا من الطامحين واللاهثين للمُلك
والزعامة، يقطن الشاب معهم في عزلةٍ صنعها جده القاسم لهم في جبل الرس بالمدينة،
راسلوه ليأتي ويصلح فيما بينهم وبين أبناء عمومتهم "الأُكَيلِيّين"، ثم يدعو
لنفسه بينهم فيكونوا أنصاره .. فصادفت هذه الرسالة هوى في نفسه ونفس أهله، وهو
الهوى الذي قاده بعد عام واحد إلى المسير نحو مصيره المقدّر؛ بل ومصيرنا ومصير كل
اليمنيين لأكثر من 1100 سنة..!
نعم ..
1100 سنة ذاقت بها اليمن مُرّ الاعتزال والرفض والظلم والذبح ..
ما أشبه قصة يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي وقدومه على أهل صعدة ليُصلح
بينهم والذي تلقّب عند وصوله لهم بـ "الهادي إلى الحق"؛ بقصة هجرة النبي
صلى الله عليه وسلم إلى أهل يثرب فأصلح به الله بين القبائل اليمانية؛ الأوس
والخزرج، ولكن شتان شتان ..!
شتان من هدى الله به الأمة وأرسله رحمة للعالمين ليخرج الناس من
الظلمات إلى النور، وبين من أضل الله به خلقاً كثيراً وأزهَقَ وأُزهِقت بسببه أنفساً
بريئة لا تعد ولا تحصى، ولقد كان بشؤمِه سبباً لأن يعصى الله بل ويكفر به في أرض
اليمن 1100 سنة ..
وتخيل أن عمر الإٍسلام 1460 سنة تقريباً، أي أنه ساهم بأن يعصى الله على
أرضه طيلة عمر الإسلام إلا قليلاً فقط..!
لم يكن مشروع الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم سياسي لطلب الملك والزعامة
فحسب، بل كان فوق ذلك مشروعاً عقائدياً بامتياز، حيث تبنّى عقائد جده القاسم الرسي
الذي كان رأساً من رؤوس الاعتزال، وأدخل إلى اليمن التي دعا لها النبي صلى الله
عليه وسلم بأنها بلد الحكمة والفقه والإيمان؛ أدخل إليها المذهب الزيدي المُعدل
بإضافات من عنده، وسمي بعد تعديله بـ"الهادوية" -نسبةً إليه- وكان على عقيدة
متأخري المعتزلة الكُفرية، وفوقها عقيدة الرفض والطعن بالصحابة، بدعة الرفض التي أتى
بها مغلّفةً مستورةً فكشفها حفيد أحفاده بعد ذلك المنصور بالله عبدالله بن حمزة ثم
من بعده المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم وغيرهم فصدعوا وجهروا بالرفض وشتم
الصحابة من بطون كتبهم إلى ساحات صنعاء جهاراً نهاراً ..
يقول الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في مقدمة كتابه (الجامع الصحيح في
القدر):
"إن مما قدر الله على بعض البلاد اليمنية أن تعيش زيادة على ألف
سنة في ظلمات التشيع المبتدع وأباطيل الرفض الممقوت، حتى اختلطت البدعة بلحومهم،
وأشربت بها قلوبهم. انتشرت تلك البدعة التي غيرت معالم الدين تحت ستار محبة آل بيت
النبوة رحمهم الله، ولما كانت الدولة دولة الشيعة أصبحت اليمن مستورد ومستودع خزعبلات
الرفض والتشيع، ومن عرف السنة وأراد أن ينكر تلك البدع والمحدثات عوقب بأشد
العقوبات"
عاش الهادي يحيى بن الحسين محاولاً بناء دولة قوية تنطلق من نواتها ومركزها
صعدة فتكتسح الخلافة العباسية وتبسط نفوذها في مشارق الأرض ومغاربها، لكنه مات
مسموماً سنة 298 هـ تاركاً إمارة صغيرة كسيحة في أسوأ مراحلها وقد تآكلت أطرافها ولم يبق منها إلا
صعدة فقط وما جاورها من الضواحي، بسبب الهزائم المتتالية التي تجرعها من زعماء قبائل
اليمن، وأيضاً لتخاذل الأنصار عنه وعزوف القبائل الموالية له عن القتال معه لفقره وفقر
دولته، وبعد موته تحرك علي بن الفضل اليافعي زعيم القرامطة باليمن بجيشه شمالاً قاصداً
صعدة وزيودها، وقد وصلت جيوش رعبه إلى صعدة ومن فيها قبل وصوله بجيشه، فبلغت قلوب الزيود
الحناجر، وكانوا قد بايعوا محمد المرتضى ابن الهادي إماماً، رغم أن المرتضى هذا الشاب
الصغير لم يكن راغباً بها ليأسه من الوضع، فأنشد شاعر الزيود إبراهيم ابن الجدّوية
(أو ابن الحدّوبة، على خلافٍ في لقبه) قصيدته التي استغاث فيها بقبائل شمال اليمن كي
ينقذوهم من القرامطة ويحموا صعدة وحريمها..!!
يقول:
ألا أبلغا خولان في مستقرها
.. وهمدان، ما أهدى إليها مسيرها
أناشدكم بالله في منع
دينكم .. وفي حُرم غالٍ عليكم مهورها
وفي بلدةٍ كانت لكم قبل
تُبّعٍ .. بكم مُنعت آطامها وقصورها
ولولا انقسام
القرامطة فيما بينهم لما نجا زيود صعدة ولارتاح منهم البلاد والعباد والشجر والحجر
والدواب.
توالى حكم أئمة
الزيود لليمن في ذرية الهادي يحيى وأهل بيته الحسني خصوصاً حتى جاوز عددهم 70
إماماً على مدار 11 قرن أو يزيد، وكان من عقيدتهم جواز خروج إمامين على المسلمين في
وقت واحد إن تباعدت أرضهم (وأين البعد وكلكم في اليمن تصل جيوشكم لبعضكم البعض في
صراعكم على السلطة؟)، فلَك أن تتخيل كم سبّب خليط العقائد الفاسدة هذه التي جلبوها
لأرض اليُمن والإيمان من حروبٍ وخرابٍ ودمار ..
وبمجيء العلويين
الزيود لليمن؛ توالى قدوم أنصار الزيدية من طبرستان وبلاد الجيل والديلم شمال إيران،
وقد كان مع الهادي يحيى أكثر من 30 ألف مقاتل منهم جعلهم حرسه الخاص وخاض بهم غمار
المعارك الدامية مع قبائل اليمن ومشايخها، ولا زالت ذراريهم موجودة إلى يومنا هذا
باليمن بألقاب كـ الديلمي ..
تاريخ الأئمة
الطويل لن يحوي تفاصيله مقالي هذا بكل تأكيد، لكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق:
في أواخر القرن السادس
الهجري وبداية السابع ابتلى الله بلاد اليمن بالإمام الزيدي السفاح عبدالله بن حمزة
الذي اشتهرت مذابحه في المطرفية وامتلأت بها كتب الأخباريين، فقد أعلن جماعة من
الزيدية يسمون بـ "المطرفية" نسبةً إلى المطرف بن شهاب؛ أن الإمامة ليست
محصورة في ذرية الحسن والحسين وإنما تجوز في كل من انطبقت فيه شروط الإمامة من
صالحي المسلمين، فشهَر عبدالله بن حمزة سيفه وجمع رجاله وجيشه، ولم يشفع لهم عنده
كونهم أنصار الهادوية ودعاتها، بل أعمَل فيهم السيف حتى قتل منهم ما يقارب 100 ألف
إنسان ولا حول ولا قوة إلا بالله..!
وهل اكتفى عبدالله
بن حمزة بذلك يا ترى..؟
إن البشر أمثالك وأمثالنا يا قارئي العزيز يكتفي بالتأكيد بهذا الرقم
من القتلى ضد ألد أعدائه مهما كان جرمه، لكن المرضى النفسيين أمثال ابن حمزة فـلا
.. فقد أمر بسبي نسائهم وذراريهم رغم اعتراض كثير من علماء الزيدية وقتئذٍ على ذلك
.. لكن ابن حمزة قد أصدر فتواه بأنهم كفار خارجون عن الملة حلت لنا أموالهم
ونساءهم وذراريهم..!
أذكّرك يا قارئي العزيز أن هؤلاء زيدية مثله، ومن أنصاره وأنصار
أجداده، لكنهم خالفوه في أصل واحد فقط فهكذا كان جزاؤهم، فما بالك لمن هم "نواصب"
و "مشبهة" و "مجبرة" و "مجسّمة" وغيرها من الأسماء
التي يطلقونها على أهل السنة، ما الذي سيفعلونه وفعلوه بهم..؟
يروى أن هذا الكلب
ابن حمزة يوم أن نزل بجيشه إلى اليمن السفلي وكانوا شوافع من أهل السنة؛ مر بإحدى القرى،
وأحدهم كان قد كتب على جدارٍ -سيمر بجواره ابن حمزة في طريقه- ليستفزه عبارة (القرآن
كلام الله غير مخلوق) وهو من الأمور التي كفّرَ علماء السنة لأجلها المعتزلة، فقد
أنكروا أسماء الله وصفاته وزعموا أن القرآن مخلوق، ولأجلها جلدوا وسجنوا الإمام
أحمد بن حنبل رحمه الله، فكتبها الرجل على الجدار وهرب واختفى ..
فلما قرأ ابن حمزة
العبارة وقف عندها يتأملها وقد احمرّ وجهه غضباً وتطاير الشرر من عينيه، ثم أكمل طريقه
بجيشه ولم يتكلم ..
بعد ذلك وفي طريق عودته؛
مرّ بجيشه من نفس الطريق الذي فيه الجدار ..
فلما وصل إليه وجد
الكتابة قد مُحِيت، فقال: والله لقد هممت أن أعمل السيف في كل رجال القرية وأن أسبي
النساء والذراري، لكنهم أنقذوا أنفسهم..!
توفي هذا الزيدي
المجنون بعد صراع وحروب مع الحكم الأيوبي في اليمن سنة 613 هـ
ثم نمضي بالتاريخ
إلى سنوات الغزو المملوكي ثم التركي العثماني لليمن وقد ألّب الإمام يحيى شرف الدين
الدولة المملوكية ثم العثمانية على الدولة الطاهرية السُّنية في اليمن، فأنهى الأعاجم
الغزاة حكمها، ثم اشتبك العثمانيين مع الإمام الجديد الأعرج المطهر بن يحيى شرف
الدين، وقد كان المطهر هذا يهوى قتلى نصف الأسرى ووضع رؤوسهم في أيدي النصف الآخر ليحملوها
في سيرهم، ثم بانتهاء حياة هذا الأعرج الدموي؛ يثور ابن عمه القاسم بن محمد سنة
1006هـ على حكم العثمانيين، والقاسم بن محمد هذا على خبثه عقائدياً لم يكن سفاكاً
للدماء كسابقيه، وقد أثنى عليه الشوكاني وعلى بنيه الإثنين من بعده الذين أبلوا
بلاءً حسناً في حروبهم ضد الأتراك .. الحروب التي انتهت بجلاء العثمانيين عن كل أراضي
اليمن، لكن البلاء كل البلاء كان في ابنه الثالث الصغير إسماعيل الذي رزِق به أبوه
على كبرٍ فسماه إسماعيل تيمّناً بقول إبراهيم عليه السلام بالآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ) ..
تولى إسماعيل حكم
اليمن وتلقّب بالمتوكل على الله، وكان طاغية ظالماً غشوماً رافضياً متعصباً خبيثاً،
وهو أول من أدخل عيد الغدير إلى اليمن، ومكّن لمتعصبي الروافض من أعلى مناصب
الدولة، وكان لتعصبه وعنصريته أصدر فتوى بتكفير غير الهاشمي إذا تزوج هاشمية، فيُقتل
لاستهتاره بجناب رسول الله..!!
وقد أذاق أهل
السنة اليمنيين الأمرّين بأن فرض عليهم الضرائب الباهظة، حتى أن أحد ولاته على
إحدى القرى أشفق على الفلاحين السنة الفقراء، فأرسل إلى سيده المتوكل يستفتيه في حكم
الأموال التي يغصبوها من فقراء السنة وهي بالكاد تكفيهم أصلاً !، فأجابه المتوكل
إسماعيل قائلاً: إني لا أخشى أن يسألني الله عن هذه الأموال التي أخذتها منهم،
ولكني أخشى أن يسألني عمّا تركته لهم، يقول لي لما تركتها لهم ! .. ثم كتب رسالته
الشهيرة التي شرح فيها فتواه في أخذ أموال أهل السنة الكفرة على حد زعمه وسمّاها (إرشاد
السامع في جواز أخذ مال الشوافع) ..
إن هذا الرافضي
الخبيث إسماعيل قد استعان به أحد سلاطين الدولة الكثيرية بحضرموت على بني عمه،
فنصره بجيشه ثم انقلب عليه وسيطر على حضرموت، وامتد سلطانه حتى ظفار شرقاً، فصار خامس
رجل على مر التاريخ يتمكن من حكم اليمن كلها بمفرده، وهو أقوى إمام زيدي حكم اليمن
على الإطلاق، واستمر حكمه 33 سنة، ولم يزعزع حكمه بأخِرةٍ ويمزقه إلا ثورة أهل
السنة التي انطلقت شرارتها من أعالي جبال يافع بقيادة الشيخ صالح هرهرة اليافعي
الذي أمدّ بعدئذٍ السلطان الكثيري المخلوع بـ6 آلاف مقاتل يافعي استطاع بهم هزيمة الجيش
الزيدي المسيطر على حضرموت، وطردِهم منها صاغرين ..
وتمضي السنين ويعود
الأتراك العثمانيون من جديد بعد 200 سنة لاحتلال اليمن، فيقوم الإمام المنصور
بالله محمد بن يحيى حميد الدين حربهم، ثم ابنه البخيل من بعده المتوكل على الله يحيى
بن محمد حميد الدين في 1904م، فيضطر الأتراك إلى الرضوخ والتوقيع على معاهدة صلح دعّان
عام 1911م، ثم تقضي الحرب العالمية الأولى على احتلال العثمانيين للدول العربية جمعاء
وينسحبوا من اليمن عام 1917م، فيستلم الإمام المتوكل يحيى حميد الدين تركتهم وأسلحتهم
ومخازنهم وأراضيهم في شمال اليمن، ويؤسس حينئذٍ المملكة المتوكلية اليمنية، فيُحكم
هذا الإمام المشهور ببخله الشديد قبضته الخانقة على اليمن واليمنيين حتى يتمكن شبّان
جمعية الأحرار اليمنية بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الثورة عليه
في 1948م واستطاعوا استمالة شيخ مشايخ قبائل مراد البطل الشهيد علي ناصر القردعي الذي
قتل برصاص بندقيته الإمام يحيى حميد الدين ..
استبشر اليمنيون أخيراً
بقرب الفرج وزوال الصخرة الكامنة على صدورهم لمئات السنين لكن ولي العهد أحمد بن
يحيى حميد الدين ألَب عليهم أنصار أبيه والقبائل وقاد بهم زحفه إلى صنعاء فاسترجع
عرش أبيه وأنهى الثورة وأعدم الثوار وأصبح إمام اليمن الجديد الناصر لدين الله أحمد
بن يحيى حميد الدين ..
قاد أحرار اليمن
ثورة ثانية ضده عام 1955م بقيادة الضابط الشهيد أحمد يحيى الثلايا، لكن الانقلاب فشل
وأعدمه الإمام أحمد هو ومن معه أمام الناس، وفي عام 1961م قام الأحرار من جديد
بمحاولة اغتياله في مستشفى بالحديدة، وأفرغوا في جسده رصاصات كثيرة لكن وكأن الله
قد حتّم أن يبقوا تحت حكم الزيود إلى الأبد حيث نجا منها الإمام أحمد بأعجوبة ..
لم تطل أيام
الإمام أحمد بعد ذلك ومات في 21 سبتمر 1962م وبويع ابنه محمد البدر ابن أحمد
إماماً على اليمن، وظن اليمنيون أن البدر وهو الشاب الذي عرفوا لطفه وثقافته سيغيّر
من سياسة أبائه القديمة، وسيرحم الشعب اليمني القابع بين مطرقة الفقر وسندان
الزيدية وعنصرية التشيع، لكنه أعلن في خطابه الأول مفاجئاً الجميع بأنه سيسير بهم
بسيرة آبائه، ولن يغير من الحال أي شيء، فحينئذٍ وفي اليوم المجيد 26 سبتمبر 1962م
تشتعل الثورة التي أنهت 1100 سنة من التشيع والعنصرية والاعتزال والظلم والقهر
والفقر والطبقية المقيتة .. ويعلن محمد عبدالله الفسيل رحمه الله خطاب الثورة من
إذاعة صنعاء ويفرّ الإمام محمد البدر وحاشيته إلى السعودية، وتبدأ الحرب التي أفرغ
الله على اليمنيين فيها صبراً طيلة سنوات الحرب من 1962م إلى 1970م بين الجمهوريين
(الشعب) والملكيين (جيوش الإمام)؛ مكنتهم من الانتصار وطرد بيت حميد الدين من
البلاد، وبذلك تصبح الثورة التي كانت حلماً أيام عبدالله بن حمزة والمتوكل إسماعيل؛
واقعاً يعيشه الشعب اليمني بعد كثيرٍ من الدماء والتضحية والألم والدموع ..
إن 26 سبتمبر يوم
أنهى الله فيه عصيانه من بقعة دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، ومنذ
ذلك الحين انتشرت الدعوة السلفية في أرجاء اليمن، وعادت السُّنة والعقيدة الصافية
إلى بلاد اليُمن والإيمان، واليوم لا تكاد تجد حيّاً إلا وفيه إمامٌ سني والحمدلله،
ولولا الله ثم رجال 26 سبتمبر ما عرفنا اليمن الذي نعرفه الآن، وما محاولات الحوثة
لاسترجاع الإمامة الزيدية القديمة إلا هدفٌ يراودهم، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
شَيْئًا) إن شاء الله ..
علماً أن زعيم الحوثي
اليوم عبدالملك بن بدر الدين هو من ذرية رأس الشر الهادي يحيى بن الحسين مباشرةً،
فهو:
عبدالملك بن بدر الدين بن أمير الدين بن الحسين
بن محمد بن الحسين بن أحمد بن زيد بن يحيى بن عبد الله بن أمير الدين بن عبد الله
بن نهشل بن المطهر بن أحمد بن عبد الله بن عزالدين بن محمد بن إبراهيم بن المطهر بن
يحيى بن المرتضى بن مطهر بن القاسم بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الإمام
الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي
أعاذ الله اليمن
والمسلمين من شرورهم
سائل يسأل؛
ما الذي تعنيه
الثورة بعد 1100 سنة؟ ما قيمة 26 سبتمبر ليكون لها كل هذا القدر والحب ؟
أقول: صحيح أن 26
سبتمبر كان العمل لأجلها من الأربعينيات، أي قبل عشرين سنة من اندلاعها فقط، لكني لن
أستطيع أن أعبّر لك عن آلاف الليالي في انتظارها، وآلاف القتلى والجرحى في سبيلها،
وآلاف الدعوات والمدامع لأجلها، (شيء وراء تصور الدنيا وأبعاد الجمال) يا صديقي ..
لعلك تفهم من شاعر
اليمن الأول عبدالله البردوني وهو يجيبك:
(أرفقت لك أسفلاً مقطعاً للأبيات لتطرب بها)
ماذا هنا؟ سبتمبرٌ؟
.. أشواق آلاف الليالي
حرق العصافير الجياع
.. إلى البيادر والغلالِ
بثّ المسامر والرؤى العطـ
.. ـشى وأخيلة الخيالِ
خفق النوافذ وارتجافات
.. الرياح على التلالِ
وتطلّع الوادي وأسئلة
.. النجوم إلى الجبالِ
وتلهّف الكأس الطريح
.. إلى انهدالات الدوالي
كان احتراقات الإجابة
.. وابتهالات السؤال
وتلفّت الآتي، إلى ..
آثار أقدام الأوالي
عشرين عاما قلبّا .. حبلت
به أمّ النضالِ
نسجته من شفق المقاصل
.. والجراحات الغوالي
حتى أطل على عقاب .. من
أساطير المحالِ
في كل ريشة جانحٍ .. منه
"أبو زيد الهلالي"
في النفخة الأولى رمى
.. بالعرش أغوار الزوالِ
وأمال زوبعة الرمال
.. إلى سراديب الرمالِ
يعطي المواسم والمحبة
.. باليمين وبالشمالِ
أنى مشى، أجنى "الوليد"
.. من المنى وأجدّ بالي
موجٌ سماوي النضارة
.. شاطئاه من اللآلي
ماذا هنا ! "سبتمبرٌ"
.. أتقول لي، أجلى المجالي
شيء وراء تصور .. الدنيا وأبعاد الجمالِ
فوق احتمالات الرجاء
.. وفوق اخصاب النوالِ
والحمدلله دائماً وأبداً .. دمتم ودام اليمن في رعاية
الله
عبدالله بن علي الحماطي
تعليقات
إرسال تعليق